الرئيسية / قراءة في كتاب / على ثرى دمشق_التاريخ المنسي

على ثرى دمشق_التاريخ المنسي

اعتقال الأخ نبيل حبش

قبل أن نتحدث عن اعتقال الأخ نبيل حبش وما رافق ذلك من أحداث مريرة، انعكست آثارها على الساحة السورية برمتها وما زلنا نعاني من آثارها حتى الآن، نريد أن نذكر حقيقة هامة يغفل البعض عنها، ألا وهي أننا عندما نكتب هذه الأحداث فإننا نكتبها أولاً بدافع من تقوى الله عز وجل، ‏لأننا نعتقد أن هذه المراحل التي عشناها إن هي إلا أمانة في أعناقنا، وعليه فلا يجوز لنا أن نغفل عن أي شيء منها.  ونحن عندما نذكر الحقيقة كاملة فإننا لا نتجنى على أحد، إذ ليست لنا خصومة مع أحد، ونرجو ألا يفهم من كلامنا أن لنا موقفاً معيناً من فلان من الناس أو غيره، لأن موقفنا نابع من إيماننا بوجوب التكلم عن هذه الأحداث وعدم إخفاء أي شيء منها، لأننا مسؤولون أمام الله عز وجل عن كل كلمة نقولها.  وسنذكر بإذن الله الحقيقة كاملة كانت لنا أو علينا، ونريد أن نذكر أن الإخوة الذين تسببوا في هذه الكوارث هم إخواننا وأحبابنا، وبيننا وبينهم صحبة حياة طويلة قبل كل شيء.

‏لقد ذكرنا سابقاً أن أحداثا جسيمة جرت على الساحة السورية بعد عملية الأزبكية، وليست عملية الأزبكية هي السبب فيما جرى من أحداث، ولكن إرادة الله شاءت أن تأتي هذه الأحداث في هذه المرحلة بالذات.

البداية

‏كانت البداية في اعتقال الأخ نبيل حبش، حين ذهب إلى قبرص ليلتقي مع أحد الإخوة الدمشقيين الذي اعتقلته السلطة، فاعترف على مكان وزمان لقائه بالأخ نبيل حبش، فاتصلت الحكومة السورية بالحكومة القبرصية وطلبت منها تسليم الأخ ‏نبيل حبش.

‏وأود هنا قبل التحدث عما سببه اعتقال الأخ نبيل حبش للشعب السوري برمته من آلام مريرة، أود أن أتحدث عن الأخ نبيل حبش المولود بدمشق – ميدان – 1957.  عرف الأخ نبيل بتدينه منذ نعومة أظفاره، فقد نشأ في بيئة إسلامية محافظة، وكان يرتاد المساجد في حي الميدان ويحضر دروس العلم ويستمع إلى العلماء ليكتسب العلم والتوجيه.  وحين بلغ من العمر ستة عشر عاماً انتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين القسم التابع للأستاذ عدنان سعد الدين.  وكان أمير الأسرة التي ضُم إليها ‏الأخ غالب آلوسي رحمه الله تعالى، وكان ضمن هذه الأسرة أيضاً الأخ مأمون قباني.  ‏وعندما اشتدت وطأة الأحداث عام 1978على الساحة السورية إثر اغتيال المجرم إبراهيم نعامة، وقامت السلطة خلال ذلك بحملة اعتقالات واسعة شملت أعداداً كبيرة من شباب الإخوان المسلمين في سورية، كان منهم الأخ غالب آلوسي الذي قضى في السجن مدة سنتين، في هذه الفترة انقطع اتصال الأخ نبيل حبش بالإخوان المسلمين وبقي ملتزماً ضمن عمل مسجد الغواص، حيث كان يقوم بتوجيه بعض الشباب فيه.  وفي عام 1979 اتصلت بالأخ مأمون قباني الذى أبدى إعجابه بتخطيط وتنفيذ وتكتيك العمليات التي حصلت حتى ذلك التاريخ.  وبعد استفسارات عن هوية التنظيم الذي يقوم بتلك العمليات اطمأن الأخ مأمون حين علم أن تنظيم الشيخ مروان حديد هو الذي ينفذ هذه العمليات الجهادية.  ووافق على السير في طريق الجهاد المسلح ورشح الأخ نبيل للانضمام إلى التنظيم.  ولم تمض عدة جلسات على انضمام الأخ نبيل حتى اكتملت المجموعة بانضمام الأخ مصباح القاسم، فكنت ألتقي بهذه المجموعة كل أسبوع مرة أو مرتين وذلك مدة عام كامل، أي إلى بداية عام 1980.  وقد كانوا غير ملاحقين ولم يكلفوا خلال هذه الفترة بأي مهمة عسكرية، وإنما كنت أوجه اهتمامهم إلى بعض الطلاب الأذكياء الذين يتوسمون فيهم الشجاعة والجرأة والتضحية، دون أن يدعوهم إلى التنظيم بشكل صريح وذلك حفاظاً على أمن المسجد وأمن طلابه، ولكي لا نقع في الأخطاء القاتلة كتلك التي حدثت فيما بعد وأدت إلى كارثة حقيقية حلت بالمسجد وطلابه.

‏لقد تميز الأخ نبيل بكثرة نقاشاته، وحين نزلت مجموعات التنظيم الجديد من خارج سورية وبدأ الهرج والمرج وبدأت الأخطاء تتراكم، وكان ذلك مترافقاً مع خروج الأخ غالب آلوسي من السجن بعد اشتداد حدة العمليات الجهادية ضد السلطة، أخذ الأخ نبيل يطرح كثيراً من الأفكار والأفكار التي لم تكن تطلب منه والتي لم يكن له علاقة بموضوعاتها، إذ أنها من اختصاص القيادة وحدها وهو حتى ذلك التاريخ لم يكن سوى عنصر عادي في التنظيم.

‏وقد لاحظت كما لاحظ إخوانه ميله الشديد إلى المناقشات الفكرية وشغفه بها، وابتعاده عن تحمل أي مسؤولية عسكرية أو تنفيذ أي مهمة من هذا النوع.

‏وشاءت إرادة الله أن ينتهي التنظيم الجديد في مجزرة ما بين العيدين واستشهاد الأخ غالب آلوسي.  وعدنا للتنفيذ فكلفت الأخ نبيل حبش بتنفيذ إحدى العمليات مع اثنين من الإخوة المنفذين، فكان يتملص بأعذار واهية جداً كان منها: أن هذا الهدف غير مناسب من الناحية التكتيكية.  وعرضت عليه هدفاً آخر فرفض كذلك، فتبين لي أنه غير مهيأ من الناحية النفسية لخوض غمار هذه العمليات.  في هذه الفترة لوحق الأخ نبيل حبش فتم نقله إلى إحدى قواعد المجاهدين.  وبسبب خطأ حاصل تعرف على قاعدة أخرى للمجاهدين، وكان يقيم في هاتين القاعدتين ثمانية من إخواننا الملاحقين.

‏كانت الأحداث تتسارع والسلطة تقوم كل يوم باعتقال وإيذاء أهالي المطلوبين، وكان الأخ نبيل قد قرر بينه وبين نفسه أن يغادر سورية ولم يخبر أحداً بذلك، وحتى أقرب الناس إليه وهو الأخ مأمون لم يعلم عن هذه النية شيئاً.  وذات يوم غادر ‏الأخ نبيل حبش سورية إلى لبنان ومن لبنان إلى الأردن دون أن يخبرنا بذلك.

للوهلة الأولى ظننا أنه معتقل فقمنا على الفور بإخلاء القاعدتين من الإخوة الملاحقين، وبدأنا بتقصي أخباره حتى تبين لنا بعد عدة أيام انه قد غادر سورية دون أن يرتب معنا أى طريقة للاطمئنان عليه.

‏وقد سبب خروجه إرباكاً شديداً، فبالإضافة إلى معرفته لقاعدتين من قواعد المجاهدين، كان يمتلك معلومات أخرى عن إخوة غير مكشوفين لدى السلطة.  وحين وصل إلى الأردن استقبل استقبالاً يليق بمجاهد خاض تجربة الجهاد في سورية، وكان اتصاله مباشرة مع الأخ أمير التنظيم هنالك، حيث تمكن بما آتاه الله من طلاقة لسان وحسن بيان أن يستحوذ على قلوب الإخوان المسلمين خارج سورية، وأذكر منهم بالتحديد الشيخ سعيد حوى والأخ عدنان سعد ‏الدين، اللذين بدآ يعتمدان عليه في العمل خارج سورية، ينتقل بين بيوتهم بسيارته وينظم شؤونهم المالية وغيرها، والأخطر من ذلك أنه اطلع على تنظيم الضباط داخل الجيش وتعرف على الأخ خالد الشامي، وكان يطلع على المعلومات التي تصل إلى الإخوة من حماة ودمشق.  ومما يؤسف له أننا قمنا بإرسال رسالة إلى الإخوة خارج سورية أوضحنا فيها وضع الأخ نبيل وأنه غادر سورية فراراً من ساحة المعركة لا كما ادعى بسبب الخلافات، لأن عهد الخلافات قد ولى والتنظيم الذى أنزل إلى دمشق قد انتهى تماماً وعلاقتنا مع الإخوة خارج سورية كانت في تحسن مستمر، ولكن الإخوة سامحهم الله لم يلتفتوا إلى كلامنا لأنهم لا يعرفون ‏معنى أن يترك الأخ قاعدتين ويغادر على هذه الشاكلة.

‏إن البلاء الناتج عن ترك قاعدتين في الداخل لا يعلمه إلا الإخوة الذين عانوا هذه التجربة، أما الإخوة في الخارج فإن القاعدتين تعنيان لديهم بيتين يمكن للفرد منهم أن يستأجرهما في ساعة من الوقت بمبلغ معين من المال.  أما هنا في الداخل فالقاعدة لا تقدر بثمن لأن السلطة قد ألقت بكل ثقلها لمنعنا من إيجاد القواعد المناسبة لمجاهدينا.  وأنا حينما أذكر هذه الأمور فإنني أسأل الله عز وجل أن تكون خالصة لوجهه الكريم، ويعلم الله أن هذا الأخ كان من أحب الإخوة إلى قلبي، ولكننا تعلمنا أن نعامل جميع الناس حسب موقفهم من هذا العمل وحسب صلابتهم في الدعوة، لا نحابي ولا نداهن وإنما ‏نبتغي وجه الله تعالى بكل ما نقوم به من الأعمال وما نتمثل به من مواقف.

‏لقد اعتقل الأخ نبيل حبش في قبرص واعترف بدوره على الأخ خالد الشامي وعلى تنظيم الضباط داخل الجيش، مما تسبب باعتقال 400-500 ضابط حسب تضارب الروايات، فأنا لا أملك تقريراً مفصلاً بأسماء الضباط المعتقلين وإنما علمت باللواء رفيق حلاوة قائد الفرقة الخامسة والعميد تيسير لطفي الكائن مقر عمله في الأركان.

‏اعتقل هؤلاء الضباط بعدما استطاعوا أن يموهوا أنفسهم لمدة عشرين عاماً في الجيش رغم الأجواء المشحونة بالطائفية والحقد على الإسلام.  لقد تحملوا وصبروا كل هذه السنين حتى تأتي ساعة الخلاص من نظام المجرم أسد، وفجأة يعتقلون دفعة واحدة خلال عدة أيام باعتراف من الأخ نبيل حبش، وهم لا يدرون ما سبب اعتقالهم.  ولنا عودة لترجمة الأخ خالد الشامي الذي اعترف عليه أيضاً، إذ أن عمله كان على درجة عالية من الخطورة، فهو يتصل بالإخوة في حماة وبنا في دمشق، ويتصل بالإخوة خارج سورية ويقوم بنقل المعلومات والتنسيق بين جميع الأطراف.

اعتقال الأخ أحمد اللحام

‏كما اعتقل الأخ مراسل حماة الذي أعرف اسمه الحركي وهو – ياسر-، وكان طالباً في جامعة دمشق وهو مقيم في دمشق أيضاً، ولم يكن مسلحاً فتم اعتقاله، واعترف تحت التعذيب على مكان لقائنا معه في شارع بغداد بالقرب من البريد، وكنت أرسل إلى مكان الموعد الذي بيننا الأخ أحمد اللحام.

‏في الواقع لم نكن نعلم بخبر اعتقال الأخ نبيل حبش في قبرص ولا باعتقال الأخ خالد الشامي، ولكننا أحسسنا بعركة اعتقالات واسعة شملت الكثير من الناس، فامتنعنا عن الذهاب إلى لقاء مراسل حماة، وكان لنا معه أيضاً نقطة ازدلاف دائمة يوم الإثنين والخميس الساعة 12 ظهراً في نفس المكان السابق ذكره.

‏وبعد ثلاثة أسابيع عن امتناعنا عن الذهاب إلى موعد الأخ ياسر قررنا النزول إلى الازدلاف، وذهب الأخ أحمد اللحام إلى المكان المحدد، ومن المتوقع أن السلطة قد عالجت الأخ ياسر من آثار التعذيب بشكل سريع وأنزلته إلى مكان اللقاء أو أنها أنزلت شقيقه بدلاً عنه ليطمئن الأخ أحمد أنه لا يوجد شيء مريب.  ولدى وصول الأخ أحمد اقتربت منه سيارة بسرعة كبيرة ووقفت بجانبه، حيث انقض منها على الأخ أحمد خمسة أو ستة عناصر مدربين على هذه العمليات، وظن الأخ أحمد أن الأمر اشتباه عادي فما كان منه إلا أن ألقى عليهم قنبلة يدوية من حزامه فقتل ضابطاً برتبة ملازم أول وأحد العناصر، وجرح الأخ أحمد بينما تمكن بقية المجرمين من الإطباق عليه واعتقاله حياً.

‏لقد وقع الأخ أحمد في الخطأ حين تصرف على هذا النحو، فالأوامر كانت تقضي بتفجير نفسه فوراً لدى تعرضه لأدنى حادث في مكان اللقاء، خصوصاً وقد ساورتنا الشكوك من انكشاف هذا الموعد لدى المخابرات، ولكن إرادة الله شاءت أن يعتقل الأخ أحمد.

‏أما نحن فتد ترددنا كثيراً حينها حول اعتقال الأخ أحمد، وبعد مداولات سريعة مع الإخوة في قاعدة مفرق حرستا التي انطلق منها الأخ أحمد استقر رأي جميع الإخوة على أن الأخ أحمد قد فجر نفسه واستشهد لما عرفوه عنه من جرأة وإيمان إضافة إلى قوة بنيته الجسدية، في حين كان معتقلاً على قيد الحياة.

‏وقبل أن نتكلم عن اعترافات الأخ أحمد لا بد لنا أن نتكلم عن حادثة هامة جرت في هذا اليوم، إذ أن هذا النهار كان من الأيام العصيبة في حياتنا.

استشهاد الأخوين أكرم بصلة وعمار عرنوس

‏ففي الساعة الثانية بعد الظهر من تاريخ 11/1/1982 أثناء دخول الأخوين أكرم بصلة وعمار عرنوس إلى قاعدة لنا في منطقة عربين القريبة من دمشق للتأكد من الوضع الأمني للقاعدة، حدث اشتباك قصير بين الأخوين وعناصر المخابرات المتواجدين داخل القاعدة، إذ انها كانت مكشوفة لدى السلطة.

‏استشهد الأخوان على إثر ذلك رحمهما الله تعالى وأسكنهما فسيح جنانه.

لقد كنا نعلم أن  القاعدة هذه قد تكون مكشوفة لدى السلطة، ولكن انقطاع اتصال الأخوين منعنا من تحذيرهم عن أمر القاعدة ‏واحتمال انكشافها.

مداهمة قاعدة مفرق حرستا

 وفي الساعة الثالثة بعد الظهر كنت جالساً أنا والأخ أكرم موسى في قاعدة مفرق حرستا وكنا نتداول في أمر الأخ أحمد اللحام واحتمالات استشهاده، وكان رأي الأخ أكرم وبقية الإخوة مجتمعاً على استشهاد الأخ أحمد ولكن الأخ أكرم طلب مني أن أغادر القاعدة حرصاً على العمل وللتخفيف من حجم الخسائر في حال كون الأخ أحمد معتقلاً وبعد إلحاح شديد قررت مغادرة القاعدة وتم ذلك في الساعة الرابعة والنصف بعد العصر.

وشاءت إرادة الله أن يعترف الأخ أحمد بعد سبع ساعات من التعذيب الشديد على هذه القاعدة ظناً منه أننا قد أخليناها، أما الإخوة في القاعدة فقد كان استنفارهم كاملاً بالبنادق الروسية والجعب والعبوات الناسفة والقنابل اليدوية وارتدى الإخوة لباسهم الكامل وبدؤوا يتناوبون في مراقبة الوضع على النوافذ، وعند وصولي إلى القاعدة الثانية بدأت مداهمة قاعدة مفرق حرستا.  لقد أشرف كبار ضباط المخابرات على تعذيب الأخ أحمد واستخدموا معه أخس الوسائل الإجرامية لانتزاع المعلومات منه، فقد كانوا يشكون في أنه مقيم بالقاعدة معي.  وما أن نطق الأخ أحمد بمكان القاعدة حتى أرسلوا عدداً من الضباط ليتبينوا صدقه، وعندما وجدوا المواصفات صحيحة زجت كافة فروع المخابرات بعناصرها وضباطها وعلى رأسهم المجرم علي دوبا رئيس فرع المخابرات العسكرية أحد أركان النظام الحاكم، كما اشترك المجرم نزار الحلو رئيس فرع العدوي والمجرم محمد ناصيف رئيس فرع الأمن الداخلي وضباطهما وطوقت المنطقة بأعداد كبيرة من العناصر تساعدها المصفحات وقطع طريق حرستا وطريق أوتستراد دمشق-حلب، فالقاعدة تقع في وسط معامل حرستا بالضبط.

كان الإخوة منتبهين تماماً، فما إن اقتربت عناصر المجرمين حتى بادروهم بنيران غزيرة من بنادقهم الروسية وتابعوا رصاصهم بالعبوات الناسفة، وكانت أوامر المجرم حافظ أسد تقضي باقتحام البيت واعتقال الإخوة فيه أحياء خاصة وأنهم اعتقدوا أنني موجود داخل هذه القاعدة.  وقد قاموا بعدد كبير من الهجمات التي كان يقتل فيها العناصر وصف الضباط وصغار الضباط الذين كانوا يدفعون دفعاً تحت التهديد بعقوبة الإعدام إن تلكؤوا في تنفيذ الأوامر.  وفي كلا مرة كان إخوتنا يصدون الهجمات ويوقعون الخسائر، مما دفع الضباط الكبار إلى زج أعداد كبيرة فى محاولة يائسة لاعتقال أحد الإخوة وهو حي.  وهكذا استمرت المعركة من الساعة السابعة بعد المغرب إلى الساعة 12:30بعد منتصف الليل. وقد كان صمود إخواننا البطولي فائقاً لتصورات المجرمين مما جعلهم متأكدين من وجودي داخل القاعدة، وهذا ما كان يحدث في كل مرة يتعرضون فيها لمقاومة شديدة، لا لأنني أكفأ من غيري في هذا المجال، ولكن لاعتقادهم بأن البيت الذي أسكن فيه يكون فيه عدد كبير من الإخوة المتمرسين على القتال.

‏وقد استخدم الإخوة أثناء المقاومة قذائف آر- بي – جي حيث كان يوجد في القاعدة عشر قذائف، كما استخدموا بارودة الفاز ولها أيضاً عشر قذائف، كما كان يوجد 35 ‏قنبلة يدوية وحوالي 15‏عبوة ناسفة بوزن واحد كيلو غرام لكل عبوة.  وقد روي أن الأخ أيمن المصري هو الذي كان يطلق قذائف آر- بي – جى على المجرمين الذين احتموا وراء سيارة براد كبيرة وضعوها أمام مدخل البناية.

‏وأمام الخسائر الضخمة التي وقعت بالمجرمين، وأمام تذمر العناصر من تنفيذ الأوامر، يئس المجرمون الكبار من اعتقال الإخوة، فأوعزوا إلى مرتزقتهم بوقف الاقتحامات وبإطلاق النيران القوية ‏نحو المبنى من كافة الجهات.  وشاءت إرادة الله أن يستشهد إخواننا وترتفع أرواحهم إلى الفردوس الأعلى بإذن الله، فمنهم من استشهد بالتفجير ومنهم برصاص الرشاشات المتوسطة ومنهم بقذائف آر- بي – جي التي كان يستخدمها المجرمون.  وبعد أن توقف القتال، قام المجرمون بصب وابل كثيف من النيران واقتحموا القاعدة المهدمة ليجدوا عدداً ‏من الإخوة الشهداء وآخرين ممزقي الأجساد متناثري الأشلاء.

‏وقد روي أن المجرم ناصيف حينما دخل القاعدة وشاهد الأخ أيمن وفتش جيوبه فوجد معه جوازاً للسفر، فقرأ عليه اسم أيمن ولم ينتبه للكنية فظنني مقتولاً، فلم يتمالك نفسه وأخذ يرقص فوق جثث القتلى غير آبه لتسعين جثة من عناصره ملقاة على الأرض.

‏ولكن إرادة الله شاءت أن لا أكون في هذا البيت، ولكم تمنيت أن أكون معهم أقاتل حتى ألقى ربي شهيداً.

‏وبلغ عدد القتلى تسعين قتيلاً والجرحى 120 جريحاً، فيهم عدد كبير من الضباط.  وقام المجرمون بعد ذلك بترميم البناء من الخارج بشكل سريع، ونصبوا عدة كمائن في البناء وما حوله انتظاراً لقدوم أحد الإخوة، ولكن فاتهم أن أصوات القذائف المنفجرة فد ملأت المسامع في مدينة دمشق، ولذلك فقد اتخذنا الاحتياطات اللازمة لهذا الأمر.

‏أما الإخوة الشهداء فهم:

الأخ الشهيد أكرم موسى: مواليد دمشق – ميدان – 1956 – مساكن الزاهرة.  ولد الأخ الشهيد أكرم موسى في أسره متميزة بتدينها، فوالده كان من رجال الإخوان المسلمين القدامى، أما والدته فقد كانت داعية إلى الله عز وجل، وقد عرفت بعلمها وورعها الشديد وحرصها على تنشئة أبنائها نشأة دينية خالصة.  في هذا الجو الإسلامي الصافي نشأ الأخ أكرم موسى فكان مؤمناً تقياً ورعاً متمسكاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، محباً لإخوانه لطيفاً معهم مما أكسبه محبة جميع الذين عرفوه من الإخوة  تنقل الأخ أكرم بين كثير من مساجد دمشق لتلقي العلم، ولم تفتر همته أو تكل عزيمته بل كان يسأل العلماء ويحفظ عنهم علوم دينه وشؤونه.  وقد انتسب في إحدى مراحل حياته إلى تنظيم الإخوان المسلمين – قسم الأستاذ عصام العطار- فكان من الإخوة العاملين الملتزمين حيث قام بتوجيه عدة أسر داخل جماعة الإخوان المسلمين.  أما تحصيله الدراسي فقد حاز شهادة البكالوريا، ثم انطلق إلى مدينة حلب حيث أقام هنالك مدة سنتين درس في جامعتها الهندسة المدنية، ثم عاد إلى دمشق بعد أن اكتسب تجربة خاصة انعكست آثارها على بقية مراحل حياته.  وفي عام 1980 حين كانت الأجواء مشحونة والأوضاع متأزمة يوم أشيع في البلاد أن الإخوان المسلمين سيقومون بتفجير ثورة عارمة في 8 آذار، مما دفع السلطة إلى الاستنفار الهائل الذى لم تشهد دمشق مثيلاً له من قبل، ذلك الاستنفار المهيأ لقمع الثورة المتوقعة في مدينة دمشق.  وفي غمرة هذه الأحداث التقيت بالأخ أكرم لأول مرة وذلك بعد اعتقال الأخ يوسف عبيد بيومين، وكان لقائي به في الطريق العام، فأبدى ترحيباً لطيفاً واهتماماً بالغاً بعمل المجاهدين ‏وطلب مني أن أزوره في بيته.  وبعد جلسة استمرت عدة ساعات، قرر الأخ أكرم أن ينتسب إلى تنظيمنا المجاهد.  في هذه الجلسة لمحت في عيني الأخ أكرم ذكاء وهاجاً وعبقرية جديرة بالاهتمام، وتوسمت فيه الخير لهذا العمل لما وجدته عنده من خصال، فهو هادئ الأعصاب لطيف المعشر، متزن في أفكاره وآرائه، صافي القلب متمتعاً بنفسية شفافة وروح منطلقة.  واستمرت لقاءاتي معه كل أسبوع مرة أو اثنتين تطرح خلالها أوضاع المسلمين والجماعات الإسلامية وجماعتنا بالذات، مما جعل الأخ أكرم يطلع على حقيقة الأوضاع ويتعرف على خطنا العام الذى نسير عليه.  ولما اشتدت الاعتقالات التعسفية لشباب الجماعات الإسلامية تقرر نقل الأخ أكرم موسى إلى قاعدة مساكن الزاهرة التي تبعد عن منزله حوالي 200 م حرصاً على سلامته وسلامة العمل.

‏وفي القاعدة الجديدة مكث مدة تتراوح بن الشهرين إلى الثلاثة دون الخروج منها.  بعد ذلك أصبح يخرج كل أسبوع مرة أو مرتين ليلاً للقيام ببعض المهمات التي يكلف بها ثم يعود إلى القاعدة.  ولما دوهمت كان الأخ أكرم خارجها، وحين عاد وجدها مطوقة بعناصر السلطة والاشتباك على أشده.  فوقف حزيناً ينظر إلى إخوانه داخل القاعدة وهم يجودون بأرواحهم فداء للإسلام العظيم، مما ترك في نفسه آثاراً لم تمح حتى فارق الحياة.  وفي اليوم التالي علمت أن الأخ أكرم كان خارج القاعدة حين دوهمت فنقل إلى قاعدة أخرى كنت أسكن فيها، وهنا بدأت أتعرف عليه عن ‏قرب وبدأت ملامح شخصيته تتضح شيئاً فشيئاً، فحاز إعجابي ونال ثقتي كاملة فكان من أقرب الشباب تفهماً للعمل ولطبيعة حركته، وقد ظهر حسن تفكيره وتدبيره في كثير من شؤون الحركة، فكنت أشاوره وآخذ برأيه في كثير من الأحيان.  لقد كان دائم الأحزان والهموم يشارك في تحمل المسؤولية بكل إمكانياته وقدراته.  ثم انتقلنا إلى قاعدة أخرى حيث عملت على توعيته لكثير من الأمور الأمنية والحركية، إضافة إلى مشاركته بالعديد ‏من العمليات.  وكنت أرسله لمعالجة كثير من القضايا التنظيمية، وقد بلغ نشاطه إلى الذروة بعد مداهمة بيت جوبر حيث قمنا باستلام دفعات كبيرة من السلاح.  ارتكزت هذه العملية على جهود الأخ أكرم بشكل أساسي حيث شارك باستلام وتوزيع الكميات المختلفة من الأسلحة، كما ساهم في الإعداد لبعض عمليات التفجير الضخمة التي حصلت فى دمشق.  هذا هو الأخ أكرم الذى عرفته متواضعاً صبوراً لين الجانب يألف ويؤلف، شديد الاهتمام بإخوانه مهتماً بفصائل المسلمين المختلفة فكان محوراً للاهتمام في القاعدة من قبل إخوانه.  وهكذا شاءت إرادة الله سبحانه أن نودع هذا الأخ الحبيب لنودعه أخاً من أفضل الإخوة الذين عرفناهم.  لقد تزك فقده في نفسي حزناً ولوعة وأسى، وكم تمنيت مراراً لو بقيت في البيت ولم أخرج وقاتلت مع هؤلاء الإخوة واستشهدت ‏معهم، ولكن إرادة الله شاءت أن نبتلى بفقد أحبابنا لأن الله لا يريد لنا أن نتعلق إلا بوجهه الكريم ….. فوداعاً يا أبا أحمد وإلى جنان الخلود إن شاء الله …. وأسال الله العلي الكبير أن يجمعنا بك وبإخوانك الأبرار في مستقر رحمته ..

الأخ الشهيد أيمن المصري: مواليد دمشق – ميدان – 1957‏.  ولد الأخ الشهيد لأسرة كريمة ملتزمة بالإسلام فكانت تربيته دينية خالصة، وقد اضطرته الظروف الصعبة لوالده إلى ترك المدرسة بعد أن نال الشهاده الإعدادية.  وقد عمل مع والده في مهنة صناعة الطاولات – حداد إفرنجي – ولم يكن عمله ليشغله عن متابعة العلوم الدينية، فكان يتابع دروس العلماء في كثير من مساجد دمشق.  لقد اتصف الأخ أيمن بحدة الذكاء وشدة الملاحظة ودقة الانتباه وتفتح الذهن، وكان عمله مع والده ثم عمله في مهنه التريكو مجالاً للتعرف على شؤون الحياة المختلفة، فتميز في هذا المجال على كثير من أقرانه.  وقدر لي أن ألتقي به في عام 1976 أثناء تردده على بعض المساجد لتلقي العلم.  حينها كان صغيراً، وبعد أن ازدادت معرفتي به بدأت أكلفه ببعض المهمات التي تتناسب مع سنه دون أن يكون منظماً بشكل فعلي.  وقد التحق بتنظيم المجاهدين عام 1979 يوم التقيه في الطريق وحدثني عن رغبته تلك، فكان له ما أراد ونظم ضمن إحدى المجموعات.  واستمر التزامه ونشاطه دون كلل أو ملل إلى أن لوحق سنة 1980 ‏أثناء اعتقال شباب الإخوان المسلمين في منطقه الثريا بالميدان، مما اضطرنا إلى إخراجه من بيته ونقله إلى بعض قواعد المجاهدين حيث ‏ظهرت خصاله الحميدة وأخلاقه النبيلة ومعاملته الحسنة، فكان لطيف المعشر مرحاً محباً لإخوانه، قام بتنفيذ عدد من العمليات وشارك بأخرى، وقد قام أيضاً بمهمة المراسلة بيننا وبين الإخوة في حماة.  إنه مثال للمؤمن الصابر المحتسب، مثال للأخ الملتزم بطريق الجهاد..  رحمك الله يا أخانا الشهيد وجمعنا بك في مستقر رحمته إنه سميع مجيب … وإنا لله وإنا إليه راجعون …

الأخ الشهيد أحمد المزيك: مواليد دمشق – ميدان – 1960.  ولد الأخ الشهيد أحمد وتربى في عائلة متدينة، التحق بجامع الغواص وانتظم في مجموعة من مجموعاته. أتم التعليم الثانوي، ثم عمل مع والده في دكانه.  وقد تعرفت على الأخ أحمد عن طريق الأخ مأمون قباني رحمه الله، فكلفته بمهمة المراسلة بيننا وبين الإخوة في الأردن لفترة من الزمن، وقد التقى هناك بالأخ عدنان عقلة والشيخ سعيد حوى وعدد من الإخوة هناك.  ونتيجة لظروفنا الصعبة في نهاية عام 1980، طلب منه مغادرة سورية والمكوث في الأردن، وقد نفذ الأمر ومكث في الأردن إلى أواسط عام 1981، حيث عاد إلى دمشق والتحق بقاعدة للمجاهدين ثم انتقل إلى قاعدة أخرى، وأخيراً استقر بقاعدة مفرق حرستا حيث سكنا سوية، وهناك كنت أستمع منه عن أوضاع الإخوة التفصيلية خارج سورية.  لقد كان الأخ أحمد لطيف المعشر، حلو الحديث، شديد الذكاء، صابراً، ملتزماً في سبيل الله.  وقد قام بعدة دورات عسكرية تدرب فيها على كثير من أنواع الأسلحة المختلفة خارج سورية، وشاءت إرادة الله أن نفقد أخاً عزيزاً، عاش معنا مرحلة من الجهاد في سبيل الله ضد نظام المجرم العميل …. فإلى جنان الخلود يا أخانا الشهيد وإنا لله وإنا إليه راجعون …

الأخ الشهيد محمد وليد البني: مواليد دمشق – باب السريجة – 1962.  نشأ الأخ ‏وليد في أسرة متمسكة بالدين والأخلاق القويمة.  كان يتردد منذ نعومة أظفاره على المساجد، انضم إلى إحدى حلقات جامع الغواص بعد أن كان في جامع زيد بن ثابت، وحين اشتدت الأحداث عام 1980 انخرط ضمن صفوف المجاهدين بعد اجتماعه بالأخ الشهيد مصباح القاسم لينال شرف الجهاد في سبيل الله.  وقد ترك كلية الصيدلة في سنته الثانية بعد أن اضطرته الأوضاع الأمنية المتردية إلى مغادرة منزله والالتحاق بقواعد المجاهدين، تاركاً وراءه عرض الدنيا.  لقد كان الأخ وليد طيب المعشر حسن المعاملة، خفيف الظل شديد الذكاء، عرف بتقواه وصلاحه والتزامه الدائم دون تأفف أو تذمر مهما بلغت التضحيات.  استشهد أثناء تصديه لمجرمي السلطة في قاعدة مفرق حرستا مع إخوانه الأبرار … رحم الله شهيدنا الغالي وجمعنا به في ظل عرشه مع مواكب الشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا …….

الأخ الشهيد عصام عرعوي: مواليد دمشق – ميدان – 1964 – ولد الأخ الشهيد في أسرة كريمة متدينة، فنشأ نشأة دينية صالحة.  التزم ضمن حلقة في جامع الغواص لينهل من العلوم الدينية ويتعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.  وقد ظهرت علائم سخطه على النظام الكافر منذ حداثة سنه، ولكم تمنى لو يقاتل هؤلاء المجرمين تحت راية المجاهدين.  وكان له ما أراد، فسهل الله له طريق الاتصال بالمجاهدين مع الأخ الداعية مأمون قباني، وذلك قبل عملية تفجير مجس الوزراء، فانتقل إلى إحدى قواعد المجاهدين.  لقد تمتع الأخ عصام بصفات الشهامة والجرأة والشجاعة، وحسن المعاملة مع إخوانه وصدق الحديث رغم صغر سنه.  وقد جرت معه حادثة تدل على مدى تعلقه بالمجاهدين، فحين أتى إلى إحدى قواعد المجاهدين قام بحرق جواز سفر كان يمتلكه وذلك ليقطع الطريق على الشيطان حين يراوده ‏بما لا يريد .. إنه نموذج للأخ التقي الطاهر النقي السريرة الصادق العزيمة الصافي القلب … رحمك الله يا أبا مالك …… وإنا لله وإنا إليه راجعون…..

عن عبد الله

شاهد أيضاً

على ثرى دمشق

فرع الأزبكية التابع للشرطة العسكرية –فرع التحقيق- كان من نتائج العمليات الضخمة السابقة تردي وضع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *