ملاحظة من مركز عين الشام: كانت الحلقة السابقة من مذكرات البطل الشهيد أيمن شربجي هي أخر حلقة كُتبت بيده، فقد إصطفاه الله بعد ذلك اليوم ليكون شهيدا بأذن الله، نحسبه كذلك والله حسيبه، وهذا حال المجاهدين في سبيل الله، إما نصر أو شهادة. نسأل الله تعالى أن يتقبل الشهيد ويجعل دمه نورا ونارا.
المذكرات من هذه النقطة وحتى استشهاد القائد ايمن شربجي تولى اكمالها أحد رفاق درب الشهيد الذي كان مطلعا على تسجيل الشهيد لمذكرات الكفاح والجهاد في سوريا في تلك المرحلة.
مقدمة
إن الحمد لله نحمده تعالى أن اختارنا للسير في هذا الطريق طريق الجهاد في سبيله، ونسأله الثبات والإعانة على باقي الطريق. لقد عشنا بألطافه وسرنا بعنايته وسنتابع الطريق بحفظه ورعايته سبحانه، ونحن واثقون من أن دربنا لا يوصل إلا إلى الجنة بإذن الله ((ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز)). وفي هذه الأيام وبعد صبر ومصابرة وبعد مرور أيام عديدة من الجهاد والمجاهدة التي لم يعلم بما لقيناه فيها من الألم والعذاب وفقد الإخوان شهيداً وراء شهيد ومجموعة إثر مجموعة إلا الله. وكانت فاجعة الفواجع استشهاد قائدنا الأخ المجاهد أيمن شربجي – أبو عمر- رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه. وكان رحمه الله قد كتب تاريخ العمل الجهادي المسلح في مدينة دمشق منذ قدوم الشيخ مروان حديد رحمه الله تعالى. وكان آخر شيء كتبه في هذا التاريخ مداهمة قاعدة المعمل – مفرق حرستا -، وكان يود أن يكتب فصلاً خاصاً عن أحداث مدينة حماة وعن اتصالاته بالإخوة هنالك قبل وقوع المجزرة، ولكن الظروف الأمنية القاسية والمشاغل الدائمة على صعيد التنظيم قد حالت بينه وبين إتمام الكتابة، ونحن اليوم بعد استشهاده رأينا أنه من الواجب علينا وقد عاصرنا تلك المرحلة الأليمة وأحداثها أن نتابع كتابة الأحداث التي حصلت. وسنحاول قدر ما نستطيع صياغتها وفق نفس الأسلوب الذي بدأه رحمه الله، رغم الفرق الشاسع بين الأسلوبين وكذلك عمق النظرة والموقع الذي كتب فيه الأحداث. فقد كتب التاريخ وكان مؤثراً في الأحداث وفاعلاً فيها ومعايشاً لها نفساً وروحاً وكياناً، فنسأل الله أن يوفقنا إلى إتمام كتابة ما حصل. ونحن نكتب تاريخ هذه السنوات الخوالي، تاريخ الشهداء الأبرار والإخوة الأطهار الذين لم تنجب لهم سورية مثيلاً في عصرها هذا، فتية آمنوا بربهم فبذلوا أرواحهم في سبيله ولم يكن لهم هدف سوى الاستشهاد في سبيل الله ومقاومة ظلم الطائفة المجرمة الحاقدة، لإحقاق الحق كما أمر الله سبحانه ولم يفت في عضدهم تخلي كثير من الناس عنهم عند اشتداد المحنة والكرب. لقد كانت المرحلة التي نحن بصدد الكتابة عنها أليمة جداً، تجرعنا فيها كؤوس العذاب ليس من السلطة المجرمة فحسب وإنما من وضع المسلمين وقياداتهم التي جر اختلافها علينا وعلى شعبنا المسلم أشد الويلات. وقد سمعنا تحليلات كثيرة عن وضع شعبنا المسلم في سورية وعن الحالة التي وصل إليها وعن الأسباب التي أدت إلى ما حصل، وإن أكثر هذه التحليلات بعداً عن الحقيقة القول بأن الوضع الحالي في سورية سببه الحركة الجهادية المسلحة. نقول بأنه أكثر التحليلات بعدا عن الحقيقة لأن الجهاد لا يؤدي إلا للعزة بإذن الله، وهو ذروة سنام الإسلام، وما ترك قوم الجهاد إلا زلوا. وهو بعيد عن الحقيقة لأن تحقيق دولة الإسلام وإزالة دولة الكفر لا يتم إلا بطريق واحد وهو الجهاد في سبيل الله. أما السبب الحقيقي وراء ما حصل فهو الفرقة والتنازع والاختلاف: قال الله سبحانه وتعالى: ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)). والحقيقة هي أن المسلمين في سورية بدل أن يكونوا جماعة واحدة تشتتوا ضمن جماعات عديدة متنازعة، فانعكس ذلك على أوضاع كل المسلمين داخل سورية. ولن نخوض هنا في أسباب المنازعات والخصومات وما وراءها من الرغبات والأهواء، وإنما نريد أن نؤكد على أن إخلاص النية وتوحيد الصفوف هو الذي يؤدي إلى تغيير وضع المسلمين في سورية: ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)).
مرحلة ما بعد الأز بكية
استشهد العديد من إخواننا الأبرار في المداهمات والاشتباكات المختلفة التي حصلت في أأأأالللواخر عام 1981 بعد تردي الأوضاع الأمنية، وحصول بعض الثغرات نتيجة الضغط الأمني الهائل الذي مارسته جميع فروع المخابرات وذلك بعد تنفيذ عملية تفجير مبنى فرع التحقيق التابع للشرطة العسكرية الكائن بالأزبكية. لقد كانت هذه الثغرات مما نتعرض له بشكل دائم، وكان لا بد من معاودة البناء من جديد لتعويض ما خسرناه وترميم ما تهدم. ولكن الوضع في هذه المرة كان مختلفاً تمام الاختلاف، فالقضية لا تتعلق بتنظيم دمشق ووضع المدينة الأمني، فالتنظيم في دمشق بقيادة الأخ المجاهد أيمن شربجي رحمه الله لم يسمح للسلطة أبداً البطش بالمواطنين، وإنما كان يحاول حصر المعركة مع رؤوس السلطة وأركانها، وجعل المجابهة مع أجهزة المخابرات المجرمة التي كانت تتوق لأي مبرر من أجل البطش بأبناء الشعب العزل. لقد تجاوز الأمر في هذه المرة مدينة دمشق إلى مدينة حماة المجاهدة التي شهدت أبشع مجزرة عرفها العالم اليوم. حينها سلطت مدافع وراجمات الوحدات الخاصة وسرايا الدفاع بحقد دفين نحو المدينة العزلاء، فدمرت أحياءها ونسفت بيوتها بالديناميت فوق رؤوس ساكنيها. لقد كانت مجزرة رهيبة أليمة ارتكبها النظام الطائفي الكافر بإيحاء وتأييد من أسياده المجرمين. وقد كانت أوضاعنا في هذه الفترة بالذات صعبة للغاية إثر المداهمات والاشتباكات العديدة التي حصلت، ووصلت المصيبة ذروتها بمداهمة قاعدة مفرق حرستا عند معمل كراش والتي كانت مقراً للأخ القائد الشهيد ابو عمر رحمه الله تعالى. رغم كل الصعوبات التي أحاطت بنا في هذه المرحلة، قام الأخ القائد أبو عمر بتجهيز العملية الاستشهادية الخامسة وذلك تعاطفاً مع ضحايا أهلنا في مدينة حماة، وكانت العملية موجهة نحو وكر خبيث من أوكار النظام طالما بث أحقاده وسمومه وهو مبنى وزارة الإعلام الذي تقع فيه مطابع دار البعث.
عملية وزارة الإعلام
وانطلق الطوربيد الاستشهادي الخامس في يوم الخميس 18/2/1982 وهو عبارة عن سيارة شاحنة صغيرة من نوع هوندا يقودها شهيدنا البطل متجها نحو هدفه لقطع لسان الكذب والدجل الذي طالما حاول تغطية وتستير جرائم النظام ومجازره بحق شعبنا المؤمن. وقد تمكن بطلنا بعون الله من اقتحام المبنى الضخم المؤلف من ثمانية طوابق الذي يضم بالإضافة إلى وزارة الإعلام مطابع دار البعث، واستطاع أن يوصل السيارة المحملة بكمية كبيرة من الديناميت إلى أسفل المبنى صادماً الحائط بمقدمة السيارة. ولما حاول بعض الحراس الاقتراب منه شهر مسدسه مصلياً إياهم طلقات لا تخيب بإذن الله. ولم يمض سوى وقت قليل حتى أحاطت بالمبنى كتلة من اللهب ودوى الانفجار العنيف في المبنى، وسمع الصوت في أنحاء مدينة دمشق وصعدت روح شهيدنا الغالي إلى بارئها. فسلام عليك يا أخانا الشهيد وأنت في جنات الخلود. أما أكابر أساطين الكذب ودجالي النظام فقد صاروا بين الركام والحطام بعد أن مارسوا أبشع دور إعلامي حينما برروا للطاغية المجرم وأعوانه جرائمهم بحق شعبنا المصابر. وما كان الله ليذرهم في تخرصاتهم وكفرهم، فجاءتهم هذه الضربة القاصمة من حيث لا يحتسبون، وتدحرجت الرؤوس العفنة المليئة بالحقد على الإسلام وأهله، وأصبح جهاز الإعلام الفاجر بعد هذه الضربة الماحقة متخبطاً في أقاويله ودعاواه. لقد ظن كبار مجرمي المخابرات بأنهم قد ضربوا العمود الفقري للتنظيم إثر تمكنهم من مداهمة العديد من قواعدنا الهامة وقتل عدد من إخواننا، بالإضافة إلى التأثير الناتج عن تدمير مدينة حماة، إذ تأكد للسلطة أن الديناميت والسلاح والإمداد كان يأتى من حماة فاطمئنوا إلى أننا غير قادرين على القيام بأي عملية في تلك المرحلة. لذلك فإن استنفارهم الأمني الكثيف الذي كان سائداً قد خف نسبياً في دمشق بعد مجزرة حماة، ولكنهم وقعوا في أوهامهم الفاسدة، فقد كان لمجزرة حماة وما ارتكبه زبانية النظام من فظائع أشد الآلام على نفوسنا، مما جعل الأخ القائد أبو عمر يعيد ترتيب الأوضاع داخل التنظيم بسرعة، ويلملم الصفوف رغم شدة الضغط الذي كنا نتعرض له وضخامة الخسائر التي حلت بنا من أجل القيام بهذه العملية الجبارة.
أما إعلام النظام الذي تلقى هذه الضربة الشديدة فكعادته حاول التقليل من شأنها ووصفها بأنها أوقعت خسائر طفيفة، وأن العبوة الضخمة التي حملتها السيارة لم تؤد إلا إلى تحطيم بعض نوافذ المبنى. وقد كان الكذب واضحاً امام شعبنا الذي عرف من المشافي ضخامة عدد الضحايا، وقد روى شاهد عيان كان يمر بسيارته بعد وقوع الانفجار بدقائق معدودات أنه تمكن من حصر سبعين جثة ملقاة من نوافذ المبنى على الشارع العام، وذلك من أثر الضغط الهائل الذي ولدته عبوة الديناميت الضخمة. وقد سارعت فور وقوع الانفجار قوات السلطة وأجهزتها الإجرامية بتطويق مكان الحادث وسد مداخله وقطع الطرق الموصلة إليه، وأقامت الحواجز لتفتيش المارة بينما كانت سيارات الإطفاء والإسعاف وسيارات الشرطة المدنية والعسكرية تسرع إلى مكان الانفجار لنقل المصابين إلى المشافي ونقل المجرم الكذاب أحمد اسكندر أحمد وزير الإعلام إلى المستشفى إثر إصابته إصابات بالغة، وكان قد أنشا داخل المبنى غرفة محصنة خاصة به في الطوابق العليا تحسبا لمثل هذه العمليات. وقد مات بعد فترة من الزمن في أحد مشافي لندن بعد سلسلة طويلة من العمليات الجراحية الفاشلة، فإلى جهنم وبئس المصير. لقد تركت هذه العملية التي خلفت مئات القتلى والجرحى آثاراً واضحة على إعلام النظام الذي بدأ يفقد توازنه المصطنع وما عاد قادراً على تغطية جرائم النظام وظلمه كما كان يفعل طوال السنوات السابقة، وعادت أجهزة المخابرات من جديد لتشدد استنفارها إلى أعلى الدرجات بعد أن فوجئت بتوقيت هذه العملية، وما عاد ضباطها يشعون بتحليلاتهم ولا توقعاتهم، فقد أفاقوا من أوهامهم على صوت الانفجار المدوي، وراحوا ينصبون الحواجز الثابتة والطيارة وكثفوا من دورياتهم في الشوارع سواء منها الراجلة أو المحمولة، وازداد إجرامهم واستهتارهم بالشعب، وأصبح استنفارهم المكثف دائماً لا ينقطع وذلك في محاولة منهم لاستغلال أي خطأ من جانبنا للإيقاع بنا، ولكن بعكس ما يشتهون تمكن إخواننا من التصرف السليم بانضباط ليس له مثيل تحت قيادة الأخ المجاهد أبي عمر عليه سابغ الرحمات.
تقييم لهذه المرحلة
كما أسلفنا سابقاً، فقد نفذت عملية تفجير وزارة الإعلام في مرحلة لم نكن فيها قادرين على الاستمرار في التنفيذ، وإن مخططنا في حرب العصابات قائم على أن نضرب ونتابع الضربة الأولى بضربات متتابعة. لهذا فقد كانت هذه الفترة تشهد إعادة تقييم ما حصل في المراحل السابقة، مع الإعداد من جديد لمرحلة قادمة نثأر فيها لشهدائنا ولديننا ولشعبنا الذي ما بخل يوماً بالعطاء والتضحية، خصوصا وأنه عرفنا نقاتل النظام الطائفي الكافر، وكل ما كان يعوزنا هو تعويض الإمكانيات التي فقدناها والتي تعتبر بسيطة بالنسبة لما يملكه المسلمون في هذا البلد ولما قدموه بالسابق. وقدر الأخ القائد أبو عمر رحمه الله مدة ستة أشهر تقريباً لإعادة بناء التنظيم ورفده بالإخوة والإمكانيات اللازمة لتوجيه الضربات القاصمة إلى رؤوس النظام ومؤسساته الإجرامية لرفع الذل عن شعبنا المسلم. وكان لابد من أجل ذلك من التوجه إلى الإخوة المسؤولين في قيادة الإخوان المسلمين خارج سورية، فقد كانت لديهم الإمكانيات الهائلة التي لم تكن نحتاج منها إلا إلى جزء بسيط وذلك بعد أن فقدنا الدعم الذي كنا نتلقاه من الإخوة في حماة إثر مجزرة حماة الرهيبة. وسوف نتحدث فيما بعد عن نتائج اتصالاتنا مع الإخوة في الخارج وعما دار في هذه الاتصالات.
اشتباك في داريا
لقد كان الوضع الأمني العام بعد عملية تفجير وزارة الإعلام متوتراً وكان الاستنفار شديداً. وقد بثت السلطة أعداداً كبيرة من مخبريها وفي كل مكان، وضمن قدراتنا وبإمكاناتنا المتواضعة تابعنا عملية الترميم والبناء لتعويض ما فقدناه في المرحلة السابقة، وهذه عملية دائمة في عملنا وليست خاصة بمرحلة معينة، فتطلب ذلك من الإخوة الملاحقين حركة إضافية، وفي هذا الجو وأثناء تحرك اثنين من إخواننا في منطقة داريا يوم السبت 29 رجب 1402 الموافق 22/5/1982، تعرض لهما اثنان من أعوان السلطة اللذين حاولا الإيقاع بأخوينا، ولكن حذر أخوينا فوت عليهم الفرصة فبادرهما بإطلاق الرصاص وأوقعاهما قتيلين. وأثناء الانسحاب لحق بهما عنصران آخران على الدراجات النارية، ودارت معركة حامية بالمسدسات سقط على أثرها هذين العنصرين قتلى أيضا، وتمكن الأخوان وليد شقير – أبو خالد – وطارق قطيفاني – أبو زهير – من الانسحاب بسلام فالحمد لله على منه وفضله. وعلى أثر هذا الاشتباك تحركت أجهزة المخابرات فنصبت الحواجز على الطرق المؤدية إلى المنطقة وبدأت حملة تفتيش واسعة عن الإخوة اللذين تمكنوا من التواري عن الأنظار. كما اعتقلت السلطة الغاشمة أعداداً كبيرة من أهالي منطقة داريا ومن شبابها، وكان للأخوين موعد مع الأخ القائد أبي عمر، فلم يحضرا. فظن أنهما استشهدا بعد أن علم بوقوع الاشتباك، وعاد إلى قاعدته والحزن يملأ قلبه، لا سيما وأن الأخ وليد شقير كان نائبه في إمارة التنظيم. لقد حال الوضع الأمني دون حضور الإخوة في ذلك اليوم، ولكن في اليوم التالي تمكنا من الخروج والعودة، وكانت فرحة الأخ أبي عمر بلقائه بهما لا توصف فلله الحمد والمنة.
اكتشاف إحدى قواعدنا
وتتابعت حركة إخواننا، وقدر الله أن يشتري اثنان من إخواننا مستودعاً في منطقة مخيم اليرموك بهوية مزورة عن طريق مكتب عقاري، فقام صاحب المكتب بنقل رقم الهوية إلى أجهزة الأمن التي قامت بنصب كمين للإخوة في نفس المكتب، ولكن الله قدر أن ينكشف أمرهم ويبطل تدبيرهم حينما علمنا بأمر هذا الكمين، وأنقذ الله الإخوة من براثن المجرمين. وعلى أثر ذلك وبعد يأس الأجهزة الإجرامية من حضور الإخوة قامت بحملة تمشيط واسعة لمنطقة مخيم اليرموك. وقد صادف ذلك اجتياح القوات الإسرائيلية للبنان، ولم تجن السلطة من وراء هذه الحملة إلا الخيبة والعار والحمد لله.
انفجار قاعدة البحصة
وفي يوم السبت 19 ذي القعدة 1403 الموافق 27/8/1983، وقع انفجار كبير في وسط مدينة دمشق في منطقة البحصة، حيث انفجرت كمية من الديناميت في إحدى قواعدنا بطريق الخطأ وكان يرابط في هذه القاعدة خمسة من مجندينا الأبطال، فاستشهدوا جميعاً فور وقوع الانفجار. وبسرعة كبيرة كانت عناصر المخابرات قد طوقت المنطقة وأخذت في البحث والتحقيق مباشرة والرعب قد دب في أزلامها الذين لم ينسوا بعد التفجيرات الضخمة التي أطاحت بأبنية النظام الواحد تلو الآخر، وما زالت في توجسها من وقوع عمليات جديدة. وبسبب عدم تمكن هذه الأجهزة من الوصول إلى أي طرف يوصلهم إلينا، وبسبب انقطاع معلوماتهم عنا فترة الأشهر السابقة، لذلك فقد جاؤوا بسرعة وكثافة من أجل الوصول إلى معلومات جديدة عن واقعنا. ولأهمية الحادث والمكان فقد تولى التحقيق فيه كبار ضباط القصر الجمهوري بعد أن طردوا كل ضباط المخابرات التابعين للأجهزة الأخرى وهم يشتمونهم بأقذع الألفاظ وأخسها. كانت هذه القاعدة واقعة في مكان استراتيجي وسط العاصمة دمشق، حيث يمكن الوصول من خلالها إلى أي هدف هام للسلطة في وقت بسيط مما قلب حساباتها الأمنية. والقاعدة كانت خارج نطاق تفكير الأجهزة الأمنية، وقد حاولوا معرفة سبب الانفجار واتجهت ظنونهم إلى أن السبب هو انفجار أسطوانة غاز، لذلك شهدت السنوات اللاحقة انفجارات شبه يومية لأسطوانات الغاز وفق عملية إجرامية مدبرة من قبل السلطة، إذ قامت بتوزيع عدد كبير من الأسطوانات سيئة الصنع وذلك كي تظفر بانفجار آخر في قاعدة أخرى، ولم تتوان عن قتل مئات الأبرياء بهذه الطريقة المدبرة، مما يعد جريمة جديدة تضاف إلى سجل النظام الطائفي العميل، ولا عجب ولا غرابة في ذلك. وقد ترك هذا الانفجار وفقدان إخواننا الأحبة عليهم رحمة الله ورضوانه آلاماً شديدة في نفوس الإخوة بسبب حجم الخسارة وثقلها. لقد كنا نواجه صعوبة كبيرة في تأمين القواعد بسبب الضغط الأمني الهائل ونقص الإمكانيات اللازمة، ولم تكن الإمكانيات المادية مؤمنة بسبب شح الدعم والمساعدة المرسلة من الخارج في هذه المرحلة، والتي انقطعت بشكل نهائي بعد هذا الانفجار. لذلك فالحزن كان شديداً من جهتين: الأولى لفقدان الإخوة الأبطال وفيهم الأخ وليد شقير رحمه الله وما يشكل ذلك من خسارة للتنظيم، والثانية لفقدان القاعدة التي كانت موقعاً استراتيجياً في وسط مدينة دمشق، وكان بالإمكان لو توفرت قواعد أخرى أن نقلل الخسائر وذلك بتوزيع الإخوة عليها، ولكن قدر الله وما شاء فعل، ولا راد لقضائه فالحمد لله أولأً وآخراً، ونسأله تعالى الرحمة والرضوان لإخواننا الشهداء وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته، إنه على ما يشاء قدير. وهذه نبذة عن حياتهم:
الأخ الشهيد وليد شقير – أبو خالد -: طالب في كلية الهندسة الزراعية، ولد عام 1956 لأسرة كريمة في حي الميدان. نشأ في جو محافظ يمجد الشجاعة والمروءة، وقد تردد إلى جامع الدقاق الذي يقع قريباً من مكان إقامته واستمع لدروس العلم فيه. وقد تعرف على الأخ القائد أبو عمر عن طريق الأخ زهر طبوش مصادفة، وبعدها أصبح يلتقي به بشكل دوري دون علم الأخ زهير في لقاءات سرية. وقد أبدى الأخ وليد رغبته بالانضمام إلى التنظيم المسلح، وعبر عن ثقته بالأخ أبي عمر الذي قبله في التنظيم وبدأ يكلفه بالمهمات المختلفة التي تهم التنظيم. وقد شارك بتنفيذ العديد من العملات الناجحة كانت أولاها عملية إلقاء قنبلة يدوية على دورية الدرويشية عام كما قاد العديد من العمليات الناجحة ضد دوريات وباصات السلطة وتميز بدقته وشجاعته في التنفيذ، وقد تمكن من الخروج سالماً بعون الله من العديد من الاشتباكات. لقد كان الأخ القائد أبو عمر يكن له مودة خالصة وتقديراً خاصاً لتاريخه الحافل بالتضحية والفداء ولما احتمله في سبيل هذه الدعوة المباركة، فهو من عائلة مجاهدة استشهد شقيقه الأصغر صلاح شتقير عام 1980 الذي كان أحد الإخوة المعتمدين في التنظيم، وفى يوم استشهاده ترك منزل أهله والتحق بقواعد المجاهدين مع شقيقه الأكبر محمد شقير، وكان هذا هو سبب ملاحقته من قبل السلطة المجرمة التي اعتقلت والده ووالدته وأخته على مدى سنوات عديدة، تعرضوا خلالها للمحن الشديدة على أيدي زبانية السلطة المجرمين وهم صابرون محتسبون أجرهم عند الله. ولم يكن الأخ وليد ليتذمر من هذا الوضع ولكن كان يرجو الله أن يمكننا من أولئك المجرمين، وانعكس ذلك على حياته إعداداً واستعداداً من النواحي البدنية والفكرية، فقد كان ذو بنية قوية حافظاً لكتاب الله، تميزت علاقته بإخوانه بالمودة والصفاء والحكمة، وذلك مما جعل الأخ القائد أبي عمر يعتمد عليه في كثير من المهمات، وكانت إحداها أن وضعه نائباً لإمارة التنظيم، وكان موضع سره ومشورته في قضايا التنظيم المختلفة. وقدر الله له الاستشهاد في قاعدة البحصة بعد حياة حافلة بالجهاد والمصابرة والمرابطة، فله من الله الرحمة والغفران وإنا على عهدنا بإذن الله حتى نثأر لديننا وإخواننا الأبرار. أما العمليات التي نفذها البطل أو شارك فيها:
1- الهجوم على دورية الدرويشية.
2- محاولة اغتيال المنافق صلاح عقلة.
3- عملية مهاجمة دورية للأمن العسكري كانت تقوم بمهمة الإحصاء بمنطقة السويقة وقتل اثنين من المجرمين.
4- الهجوم على مكرو باص تابع للمخابرات بالقرب من ثانوية الكواكبي.
5- اشتباك بالقرب من جامع زيد بن ثابت بعد ملاحقة حرس الإدارة العامة للمخابرات له.
6- اشتباك في داريا مع مخبري السلطة.
الأخ الشهيد بشار الفرا – أبو الفتح -: طالب في جامعة دمشق فرع (ر ف ك)،ـ ولد في حي الميدان لأسرة كريمة عام 1956 وتربى في أكنافها تربية إسلامية. ومنذ حداثة سنه انتظم في صفوف الإخوان المسلمين، وحضر دروس العلماء وتردد على مختلف مساجد دمشق. وفي عام 1980 انضم إلى الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين، وكان شديد الحماس دائب التفكير والعمل، فشارك بالعديد من الاستطلاعات وتسلم إمارة عدة قواعد ومجموعات، كما شارك في عملية اغتيال المجرمين زيد ونايف الشريطي. لقد اتصف أخونا الشهيد رحمه الله باندفاعه للعمل وتفكيره الدائم بشؤونه واحتياجاته، كان لطيف المعشر طيب الأخلاق شديد الاهتمام بأحوال المسلمين ومصالحهم، حافظاً لأجزاء كثيرة من القرآن الكريم. وقد رؤي انعكاس صلاحه وتقواه نوراً على محياه في أخريات أيامه، فإلى جنان الخلود يا شهيدنا البطل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الأخ الشهيد محمد خير سمرة – أبو الخير -: ولد عام 1958، يسكن بالطلياني، تلقى ثقافته في بيئة إسلامية محافظة، وحضر دروس العلماء كما انتظم في حلقات العلم التابعة لمسجد زيد بن ثابت. وفي عام 1981 انضم إلى صفوف الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين فكان مثالاً للأخ الملتزم. لقد تميز عن غيره بأنه لم يكن ملاحقاً، ورغم ذلك ترك منزل أهله وعاش في قواعد المجاهدين عيشة الملاحقين، مؤثراً بذلك عيش الآخرة. وقد كانت قاعدة البحصة عبارة عن مكتب لبيع أدوات الأسنان سجله الأخ أبو الخير باسمه للتغطية على بقية الإخوة الملاحقين، وقد اختار هذه المهنة لأنه متخرج من معهد طب الأسنان. وفي الفترة التي عاشها مع إخوانه المجاهدين كان يحس بآلام الشعب وبإجرام النظام، فتفجرت شاعريته عن قصائد عديدة في فترة بسيطة من الزمن، فرحمة الله عليك يا أخانا الشهيد ونسأل الله أن يحقق ما كنت ترجوه وما يرجوه كل مؤمن من نصرة الحق وخذلان الباطل وتدمير هذا النظام الإجرامي المتسلط.
الأخ الشهيد محمد فواز قرة بطق – أبو عمار -:مواليد 1962 حي الميدان. التزم الأخ الشهيد في صفوف الإخوان المسلمين منذ نعومة أظفاره، وتابع دروس العلماء في المساجد بهمة ونشاط ولم يثنه عمله الحر عن الانتظام في صفوف العمل المسلح عام 1981، ومنذ أول يوم لانضمامه وهب روحه لله عز وجل، وكان مستعداً لتقديمها في كل لحظة. عرف بطيب أخلاقه وبإخلاصه وحسن معشره، فعليه من الله رحمة واسعة وجمعنا به وبإخوانه الكرام في مستقر رحمته إنه سميع مجيب.
الأخ الشهيد معاذ موسى – أبو أيمن -: مواليد عام 1963 حي الميدان. ولد في أسرة كريمة وبيئة إسلامية، حيث انتظم في صفوف الإخوان المسلمين منذ حداثته، ثم انضم للطليعة المقاتلة عام 1981 بعد أن نجا من الاعتقال. وقد اعتقل والده فترة من الزمن، ثم سافر والأخ معاذ شقيق الأخ الشهيد أكرم موسى الذي استشهد في قاعدة مفرق حرستا. كان محبباً لإخوانه لطيفاً معتنياً برياضة جسمه بالتدريب الدائم. فرحمة الله عليه وعلى إخوانه الأبطال المرابطين الذين استشهدوا في هذه القاعدة المباركة.