رأي الإخوان المسلمين:
لم يكن الإخوان المسلمون في سوريا بغافلين عن نوايا حافظ أسد ونظامه الطائفي الحاقد ولم تنطل عليهم ادعاءاته في الحرية والكرامة والتحرير، فقد كان تاريخ طائفته النصيرية ظاهرا لهم وأهدافها الباطنية واضحة أمامهم، فعرفوا أنه يريد تمزيق سوريا وإخضاع أهلها لتصبح فريسة سهلة في متناول يهود.
كانت هذه الحقائق واضحة في أذهان قادة الإخوان المسلمين ووقفت مقابل هذه الحقائق أسئلة استفهام كثيرة منها :
ـ كيف يمكن درأ الخطر الداهم الذي يحيط بالمسلمين؟
ـ ما هي الخطط المعدة والوسائل المهيأة لمواجهة هذه الأوضاع وتطوراتها؟
إن الأحداث التي جرت تدل على أن الإخوان المسلمين لم يهيئوا التنظيم السري الفعال الذي يتمكن من مواجهة النظام وتفشيل خططه دون أن تتعرض قيادته وعناصره للتصفيات البشعة التي اشتهر بها النظام الكافر منذ حصول انقلاب آذار 1963، لذلك قرروا اللجوء إل الأساليب السلبية التي ترفض تسلط الطائفة النصيرية وحاولوا توعية الشعب الذي كان يغط في سبات نوم عميق، والذي رأى في حافظ أسد ووعوده المعسولة خلاصا من تسلط الحكم البعثي القديم بعد أن عانى في ظله صنوفا من القهر والإذلال.
لقد كانت عمليات الإخوان المسلمين في مواجهة السلطة عبارة عن ردود أفعال لما تقوم به هذه السلطة، لذلك نجد أن السلطة سرعان ما تطوق الأحداث وتنهي أي بادرة ضدها فبعد الحوادث التي جرت في المدن السورية احتجاجا على الدستور قامت قوات السلطة وأجهزتها السرية بحملة اعتقالات واسعة للشباب المسلم في سوريا، ولكثير من العلماء المسلمين، منهم على سبيل المثال : الشيخ سعيد حوى، والشيخ محمد علي مشعل.
وقامت بنشر الإرهاب بين صفوف الشعب المسلم وبلغت بها الوقاحة إلى أحط الدرجات حين اعتدت على بيوت الله ومن فيها فخيم على البلاد جو من الخوف والترقب ترك آثاره على أبناء شعبنا المسلم الذين ما عادوا يجرءون على دخول المساجد خوفا من الاعتقال فالناس يعرفون ما ينتظرهم من بطش وإرهاب في فروع المخابرات وقد بدا واضحا أن المجرم أسد وأعوانه إنما أراد من وراء ذلك كبت أي معارضة وإنهاء أي مقاومة باستخدام أخس الوسائل في تعذيب ما تفتقت عنه عقول المجرمين في القرن العشرين من وسائل للتعذيب.
وهكذا نجد أن عمليات الإخوان المسلمين ضد السلطة قد انتهت عند هذا الحد ولم تقدم جهود مؤثرة تحد أو تقلل من إرهاب السلطة الكافرة.
إن التعذيب الوحشي الذي مارسه جلادو السلطة قد أسفر عن استشهاد عدد من الأخوة منهم:
[الأسماء غير مذكورة…]نظرة الشيخ مروان حديد
أما الشيخ مروان حديد فقد كانت له نظرة في الأمر، وفكرة واضحة لمواجهته، فحين سمع أنباء الاعتقالات بدأ يستعد للدفاع عن النفس ويحرض من حوله على القتال ويحضهم على الثبات وأخذ ينتقل من مسجد لآخر في مدينة حماة يقوي العزائم ويبث الجهاد في سبيل الله بنفوس الناس وأشيع في حماة أن المجرم رفعت أسد قد وصل إليها لاعتقال الشيخ مروان مع عدد من علماء المدينة فما كان من الشيخ مروان إلا أن صمم على القتال ومواجهة السلطة الكافرة وكان يردد قائلا: (والله لا أعطيهم الذلة من نفسي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ـ من أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس مني) كما كان يردد دائما: (الموت في سبيل الله أفضل من سياط الذل في السجون).
أما سلاحه الذي كان يملكه فهو رشاش قديم من نوع ـ بور سعيد ـ عيار 9 ملم كما [كان] يملك عددا من القنابل اليدوية وذلك تطبيقا للسنة النبوية في حمل السلاح.
لقد اتخذ الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ قرارا بالمقاومة حتى الاستشهاد في سبيل الله ولكن اخوانه وطلابه أقنعوه بأن القتال على تلك الحال خطأ تكتيكي لا ينبغي ارتكابه حتى لا تتكرر مأساة مسجد السلطان التي حدثت عام 1964 م، ـ هذه المعركة جرت بين الشيخ مروان وطلابه مع زبانية النظام العميل عام 1964 واستمرت لمدة يومين سقط فيها عدد من الشهداء الأبرار بينما أخذ الشيخ وبقيت الأخوة أسرى بعد أن أصيبوا بجراحات بليغة، ولم تتورع السلطة عن استخدام الدبابات في هذه المعركة بينما كان سلاح الأخوة عددا من المسدسات وبعض القنابل اليدوية ورشاشين أو ثلاثة من نوع قديم.
بعد اعتقال الشيخ مروان حكم عليه بالاعدام إثر محاكمة هزلية جرت في مدينة حمص ترأسها المجرم مصطفى طلاس وقد ذهل الحاضرون من شدة بأس الشيخ واستهانته بالموت وجرأته الكبيرة على أزلام النظام المتكبرين ولم ينفذ هذا الحكم بل اضطرت السلطة إلى أطلاق سراحه تحت ضغط الشعب المسلم بقيادة علمائه وخاصة عالم حماة المجاهد الشيخ محمد الحامد ـ رحمه الله ـ.
لهذا السبب التكتيكي ونزولا عند رغبة الاخوة في حماة قرر الشيخ مروان حديد رحمه الله الانتقال الى دمشق.
في نفس الوقت أمر المجرم رفعت اسد عناصره المجرمين البالغ عددهم 300 عنصرا بمداهمة الشيخ مروان وقتله داخل المنزل مباشرة باطلاق النار عليه وكم كان ذهولهم كبيرا حينما علموا بأن الشيخ مروان قد غادر حماة.
وبدأت الملاحقة في كل مكان إذ أن السلطة لم تكن تجهل حقيقة الشيخ مروان وقدرته الكبيرة على استقطاب الشباب في أي موقع يوجد فيه وهي التي عرفت شدة بأسه وإصراره على تحقيق الهدف مهما عظمت الخطوب، وفي دمشق ظل الشيخ متواريا عن الأنظار مدة عام كامل تنقل خلالها بين أصحابه ومعارفه بسرية تامة وحذر شديد، فقد وزعت السلطة صوره على مخبريها إضافة لذلك كان الشيخ ـ رحمه الله ـ مميزا بجسامته وبطوله البالغ 190 سم .
كانت السلطة في هذه الفترة تبذل جهودا متواصلة في عملية إتمام السيطرة على دوائر الدولة ومؤسساتها السياسية والعسكرية فقامت بتوسيع سرايا الدفاع التي تنتمي عناصرها إلى الطائفة النصيرية وعملت على ضم أبنائها إلى الجيش والمؤسسات العسكرية الأخرى بينما كانت تبطش من جهة أخرى بالعلماء وتعتقل وتعذب المثقفين الذين يشكلون نخبة الشعب الواعية، وبدأت تظهر خطورة الوضع الجديد وتتضح معالمه بشكل يوحي بأنه إن لم يتدارك الموقف ويتم التحرك المكافئ لأعمال النظام ولنهجه المتبع فإن الأمور ستسوء وبالتالي سيزداد تسلط النصيريين في الحكم وسيضعف المسلمون حتى يأتي يوم لن يستطيعوا معه شيئا لا سمح الله .
إن وضوح الرؤية عند الشيخ مروان حديد وإدراكه لخطورة الوضع الذي وصل إليه المسلمون جعله يتحرك بسرعة أكبر عل مستوى القيادات الإسلامية الموجودة على الساحة آنذاك فاتصل بقيادة الإخوان المسلمين وأطلعهم على رأيه حول هذه الأوضاع وكان رأيه ـ رحمه الله ـ يتلخص بما يلي :
أن يقوم الإخوان المسلمون بتعبئة كوادرهم وتشكيلها ضمن تنظيمات عسكرية سرية مسلحة هذه التنظيمات سوف تستقطب الشعب وبالتعاون مع الضباط المسلمين في الجيش يتم الإعداد والتنسيق للقيام بثورة عامة يشترك فيها الجيش والشعب لإسقاط النظام العميل.
إن أفكار الشيخ مروان حديد وآرائه بصدد مقاومة السلطة بالأسلوب المسلح الذي لا تفهم غيره لم تلق الإقبال المناسب أو التجاوب اللازم لدى قيادات الإخوان المسلمين الذي ارتأوا أن الوقت لم يحن بعد لحمل السلاح بوجه النظام الكافر وأنه متى ظهرت ضرورة ذلك فأنهم لن يتوانوا أبدا عن حمل السلاح ومقارعة السلطة وطالبوا الشيخ مروان بمغادرة سوريا لكنه رفض هذا الطلب قائلا:
(إذا كانت السلطة مجنونة في باطلها فإننا مجانين في حقنا والله لأقاتلنهم ولو كنت وحدي ولا أقبل إلا بحكم الإسلام أو أموت شهيدا في سبيل الله).
واستمر الحوار طويلا إلى أن وصل الى درب مسدود عندها قرر الشيخ إنشاء تنظيم مسلح يحمل على عاتقه راية الجهاد قي سبيل الله ضد النظام الكافر في سوريا ولأجل هذا الغرض قرر الإتصال بشباب الإخوان المسلمين لإنشاء هذا التنظيم.
التنظيم المسلح والأسس التي اعتمدت على بنائه:
· شباب مسلم متعطش للجهاد في سبيل الله.
· سلطة طائفية كافرة تبطش بالشعب الأعزل.
· قيادات إسلامية تعارض اللجوء للقوة المسلحة ضد السلطة.
هذا هو الوضع الذي صادفه الشيخ مروان في بداية تشكيل التنظيم المسلح لذلك انتهج في بناء التنظيم خطة مكونة من عدة مراحل:
1ـ مرحلة التعريف الفكري.
2ـ مرحلة الاستيعاب التنظيمي.
3ـ مرحلة الإعداد والتدريب.
4ـ مرحلة الصدام مع النظام.
لقد عرف القائد الشهيد مروان حديد أنه لابد للنجاح من مناخ خاص وشروط محددة لذلك وضع أمام عينيه وهو معلم في بناء التنظيم الجهادي المسلح كل مستلزمات النجاح وأسبابه وأدرك أنه لابد من أمرين اثنين لنجاح هذه الفكرة:
1ـ تعيين الهدف الأساسي لهذا التنظيم ألا وهو إقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، عندئذ يكون الشعب المسلم في سوريا قد تحرر من عبوديته للطغاة .
2ـ تحديد الأسلوب الذي يجب انتهاجه للوصول إلى الهدف المنشود، وكان هذا الأسلوب هو الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال وقد اعتبر الشيخ ـ رحمه الله ـ أن العمل المسلح أمر أساسي يجب على المسلمين أن يتمسكوا به كما اعتبر الأساليب والطرق الأخرى أعمالا رديفا للعمل المسلح ولا أدل على ذلك من قوله: (ألف قذيفة كلام لا تساوي قذيفة حديد واحدة).
وما كان القائد مروان حديد من الذين يعرضون الأفكار ويلقون الكلام دون أن يكون لكلامهم نصيبا في حياتهم , لقد كانت أفكار القائد الشهيد جزءا من كيانه ورسما لشخصيته وبيانا عن حياته، فحين دعا للقتال في سبيل الله كانت قنابله ورشاشه بين يديه وكان مستعدا لمواجهة كل الاحتمالات المترتبة على ذلك من تعذيب وتشريد وإيذاء وقتل في سبيل الله، وبذلك فقد شق لحركة الجهاد في سوريا طريقها الصحيح وحدد لها مسارها الصريح.
فالبلاد تحت حكم طائفة حاقدة مستبدة ومراكز القوة الفاعلة بين يديها والمسلمون ليس لهم أمر أو نهي لذلك فالقوى غير متكافئة، وهذه الحرب لا يمكن الرجوع عنها مهما كانت العقبات لهذا فإن أفضل أسلوب لخوض هذه الحرب هو أسلوب حرب العصابات داخل المدن حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
إن شباب الإخوان المسلمين انتظموا ضمن صفوف جماعة الشيخ مروان حديد ـ رحمه الله ـ كانوا على استعداد كامل للجهاد في سبيل الله طبقا للشعار الذي رفعه الإمام الشهيد حسن البنا ـ رحمه الله تعالى ـ: (الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا).
إن رفض القيادات الإسلامية للعمل العسكري لم يثن الشيخ مروان عن رأيه أو يفت في عضده، وإنما زاد صلابة فقام بتحرك واسع دعا فيه القيادات الإسلامية الأقل مسؤولية ودعا الناس غير القيادية واحتاج ذلك منه إلى جهد كبير وعمل دائب مستمر وخاصة في بلد مثل سوريا، وقد عانى الشيخ أثناء عمله من مشكلة كبيرة وهي مشكلة الحركة من مكان إلى آخر لذلك لم يكن ينتقل من بيت إلى آخر إلا وقت الحاجة الملحة.
وهناك مشكلة أخرى لابد من تبيانها وهي انقسام جماعة الإخوان المسلمين إلى قسمين:
قسم يعمل تحت قيادة الأستاذ عدنان سعد الدين، والشيخ سعيد حوى، وقسم ثان يعمل تحت قيادة الأستاذ عصام العطار ومركزه دمشق، وللقسمين نشاطات مختلفة في بقية المحافظات.
وإضافة لذلك وجدت على الساحة جماعات مستقلة تعمل ضمن خط الإخوان المسلمين الفكري ولكنها تنتظر وحدة التنظيمين حتى تعطي ولاءها لتنظيم موحد.
وقد بين الشيخ مروان حديد في مناقشاته المستمرة مع الإخوان المسلمين وعناصرهم أن سبب الانشقاق الحاصل إنما هو البعد عن الجهاد الحقيقي في سبيل الله
ثم جاءت المرحلة الثانية وهي مرحلة استيعاب الشباب ضمن خلايا تنظيمية مسلحة واعتمد الشيخ مروان في هذا العمل على طلابه القداما الذين تدربوا في معسكرات الفدائيين الفلسطينيين لعدة سنوات، وكان من أبرزهم ثلاثة إخوة :
1ـ القائد الشهيد عبد الستار الزعيم .
2ـ القائد الشهيد موفق عياش .
3ـ القائد الشهيد غالب حداد .
إن هؤلاء الأخوة وكثيرون غيرهم قد خاضوا العديد من المعارك فوق أرض فلسطين واكتسبوا خبرة عسكرية واسعة انعكست فوائدها على التنظيم في فترات لاحقة، وقدر الله لي أن ألتقي بالشيخ مروان ـ رحمه الله تعالى ـ سنة 1974 م، وبعد مناقشات مطولة وشرح للموقف من جوانبه المختلفة تم تنظيمي في أسرة ضمت كل من الأخوة:
1ـ ظافر بدوي ـ مواليد دمشق ـ ميدان ـ 1955 م
2ـ عدنان أبو جيب ـ مواليد دمشق ـ ميدان ـ 1954 م
3ـ زهير طبوش ـ مواليد دمشق ـ ميدان ـ 1954 م
4ـ والعبد الفقير إلى الله تعالى كاتب هذه السطور.
وتولى إمارة هذه المجموعة القائد الشهيد: برهان لحام ـ مواليد دمشق ـ 1955 م، الذي تميز بذكائه الوهاج وإخلاصه في العمل ونشاطه في الدعوة إلى الله.
في الفترة الأولى التي نُظِّمنا فيها كنا نتردد على البيوت التي كان يستخدمها الشيخ مروان حتى توطدت العلاقة بيننا وبينه بشكل جيد.
بعدها دخلنا في المرحلة العملية لهذا التنظيم وهي الإعداد والترتيب وتوزعت معسكرات التدريب في الجبال الساحلية وفي الغابات وضم كل معسكر حوالي 30 -40 أخا من دمشق وحماة وحلب وتسلم قيادة هذه المعسكرات الإخوة: عبد الستار الزعيم، غالب حداد، موفق عياش، كما تم جمع التبرعات لشراء السلاح اللازم لخلايا التنظيم.
وبدأ اسم جماعة مروان حديد بالظهور على الساحة وكان ذلك في أواخر 1974 م فقد تشكل عدد كبير من الخلايا المدربة المسلحة المستعدة للقيام بأي عمل يطلب منها.
كان رأي الشيخ مروان ـ رحمه الله ـ أن مرحلة التبليغ لم تنته بعد ويجب علينا الاستمرار في تبليغ دعوتنا والتنبيه إلى حركتنا وأهدافها حت نصل إلى مرحلة اليأس من انضمام عناصر جديدة لتنظيمنا عندها نقرر أساليب المرحلة الصدامية، هل ستكون حربا مفاجئة ـ شاملة ـ أم حرب عصابات طويلة الأمد…