اعتقال الأخ القائد يوسف عبيد
الأوضاع العامة التي سبقت الاعتقال :
لقد سبق اعتقال الأخ يوسف عبيد حدوث تطورات كبيرة على الساحة السورية كان من نتائجها اعتقال الأخ يوسف عبيد ، فبعد استشهاد الأخ القائد عبد الستار الزعيم تسلم قيادة التنظيم في سوريا الأخ هشام جنباز وفي حلب كان الأخ عدنان عقلة أميرا للتنظيم هناك بينما استمر الأخ يوسف عبيد أميرا للتنظيم في دمشق .
في البداية سارت الأمور بشكل جيد واستمرت بتنسيق كامل بين المحافظات ولكن بعد فترة وجيزة من الزمن بدأت الأوضاع تتبدل بشكل تدريجي وبدأ الاختلاف يظهر بشكل واضح وهذا التغيير سببه الظروف المحيطة بكل مدينة من المدن السورية ، لكن الهوة أخذت تتسع وظهر الفرق واضحا بين عمل الإخوة في حماة وحلب وعمل الإخوة في دمشق فقد بدأت في حلب وحماة وتيرة الأحداث بالتصاعد المستمر ونتيجة للعمليات السابقة راحت السطلة تبطش بالشعب الأعزل وتهين المسلمين وتعتقل الأعداد الكبيرة من المواطنين وتأخذ الرهائن وتصب ركام حقدها الأسود على المسلمين وقد شملت الاعتقلات الكبيرة آلاف المواطنين وفي مقدمتهم شباب الجماعات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين .
هذه الأوضاع دفعت بالعديد من الشباب الإسلامي إلى التواري عن الأنظار ومحاولة الاتصال بالمجاهدين لأنهم فضلوا الموت في ساحات الجهاد وهم يقاتلون جند الطاغية على الموت في السجون تحت أقدام الجلادين من زبانية المجرم حافظ أسد .
وفتح الإخوة المجاهدون صدورهم لهؤلاء الإخوة وضموهم إلى التنظيم المسلح مما أدى إلى تضخم التنظيم بشكل كبير ، وهنا بدأت المشاكل بالظهور فأمام هذه الأعداد الكبيرة التي انضمت حديثا إلى التنظيم لا بد من تصعيد العمليات فعائلات الإخوة تتعرض كل يوم للبطش والاعتقال والتشريد ونحن نعلم أن الإخوة في حلب وحماة كانوا يعملون على تجنب المواجهة المكشوفة مع السلطة لئلا يخوضوا معركة غير متكافئة وقد أثبت الإخوة هنالك في مراحل مختلفة أنهم قادرون على ضبط الأمور والابتعاد عن خطر المواجهة ، فحين قامت السلطة بمحاصرة المدينتين بواسطة الجيش وعملت على تمشيط المدينتين لم تحصل على شيء بسبب الانضباط الكبير الذي تحلى به الإخوة هناك ، ولم تحقق السلطة أي شيء من التمشيط ، لكن الأحداث كانت تفرض على الإخوة الاستمرار في التنفيذ فبمجرد انتهاء التمشيط يندفع الإخوة من جديد إلى الهدف فراحت تمشط الأحياء حيا بعد حي وبيتا بعد بيت كما قامت بنصب عدد من الحواجز الطيارة والثابتة في الشوارع المختلفة ونشرت أعدادا كبيرة من عناصر المخابرات وسرايا الدفاع والوحدات الخاصة الذين نزلوا إلى الشوارع باللباس الميداني الكامل وقتلت أقرباء المجاهدين في بيوتهم وفي أماكن عملهم بشكل استفزازي سافر .
ولم يكن المجاهدون ليسكتوا عن هذه الأعمال وهم يملكون التنظيم والقوة ، وكان الرد على ذلك المزيد من أعمال الانتقام .
وهكذا نجحت السلطة في استدراج الإخوة بحلب إلى عدة مجابهات محدودة من خلال اشتراك أعداد كبيرة من الإخوة في منطقة أو حي يسقط خلالها عدد كبير من الإخوة الشهداء وأعداد مضاعفة من عناصر السلطة التي تستطيع أن تزج غيرهم من العناصر بكل سهولة ويسر .
هذا النوع من المعارك ازداد بشكل ملحوظ وقد سارت السلطة وفق هذه الخطة بناء على رأي الخبراء والمختصين الروس .
أما في حماة فبعد محاولات متكررة لجر الإخوة إلى معركة مكشوفة تمكنت السلطة من جر الإخوة إلى هذه المعركة وحصلت على إثرها مجزرة حماة عام 1982 وسنفصل هذا في حينه .
رأي الأخ عدنان عقلة
وهنا نذكر بعض البنود من رسالة وجهها إلينا الأخ عدنان عقلة أمير التنظيم في حلب عام 1981 يتحدث فيها عن مشاكل التنظيم المتضخم ، ومما جاء فيها :
1. إن اتساع حجم التنظيم أفقدنا الكثير من سريتنا وأصبحت خطط التنظيم مكشوفة بسبب اعتقال العديد من إخواننا .
2. دبت الفوضى بين صفوف الإخوة بسبب قلة وعيهم وفهمهم لطبيعة المعركة .
3. أصبح اللقاء بين عناصر القيادة أمرا بالغ الصعوبة بسبب الظروف الأمنية السيئة داخل المدينة .
4. أصبح التنظيم يضم عددا كبيرا من الإخوة الذين لا عمل لهم ولا سيما الاشتراك في تنفيذ العمليات مما سبب لنا مشاكل عويصة .
5. إضافة لذلك فنحن نحتاج إلى كميات أسلحة كبيرة وأموال كثيرة وعدد كبير من البيوت والقواعد الرديفة لمجالات الطوارئ .
لقد وصلتنا هذه الرسالة متأخرة وهذه البنود قد نقلتها من ذاكرتي بتصرف فيها وكما يلاحظ فإن التنظيم قد حوله من تنظيم سري ويعمل على المدى البعيد وفق أساليب حرب العصابات إلى تنظيم يقف على حافة المجابهة مع السلطة قبل أن يستكمل عدته وينسق أموره مع بقية التنظيمات الأخرى .
نظرة أخرة في هذه الأوضاع
هذه الأوضاع وما رافقها لم تكن وليدة زمنها وإنما ترجع في أسبابها إلى سنوات عديدة وبالتحديد إلى الوقت الذي جاء فيه المجرم حافظ أسد إلى السلطة.
إنني في هذا المجال لا أوجه التهم إلى أحد ولكنني أعتقد أن قيادة الإخوان المسلمين بشقيها : قسم عصام العطار ، وقسم عدنان سعد الدين ، مع بقية الجماعات الإسلامية ارتكبت خطأ انعكست آثاره على تنظيم المجاهدين ، هذا الخطأ ذو شقين:
الأول : عدم تهيئة العناصر الإسلامية لحرب طويلة الأمد مع النظام الطائفي الحاقد فلو تم إعداد الشباب المسلم حدث ضمن تنظيمات سرية دقيقة وتم دعم هذه التنظيمات بجهاز مالي قوي لما تمكن حافظ أسد ونظامه من البطش بهذه الأعداد الكبيرة من شباب الإخوان المسلمين بهذه السهولة .
وليس أدل على هذا الكلام من صمود التنظيم الذي أنشأه القائد مروان حديد رحمه الله كل هذه السنوات الطويلة رغم المحن والعوائق بل وأتجرأ وأقول : لو أن قيادة الإخوان المسلمين التزمت بخطة عملية من هذا القبيل لتمكنت بعون الله من قلع النظام العميل قبل أن يتحكم برقاب الشعب بهذا الشكل البشع .
إن شعبنا في سوريا شعب مؤمن بالله محافظ على دينه فالبرغم من الفساد الظاهر الذي تشيعه السلطة والانحلال الخلقي الذي تنشره فإن شعبنا ما زال متمسكا بدينه وقد ضحى في سبيل ذلك ولم يتوانى عن دفع أبنائه نحو الاستشهاد وهو مستعد للتضحية والعطاء في كل زمان .
إن هذه التضحيات يجب أن يواكبها تنظيم متقن وعمل هادئ ومدروس عند ذلك يمكننا أن نحقق الفائدة المرجوة بعون الله تعالى وإلا فلن تكون هذه التضحيات سوى زيادة في الآلام وزيادة في البلاء .
الثاني : ترك الأعداد الكبيرة من الشباب الإسلامي دون قيادة بعد أن غادرت قيادات الإخوان المسلمين سورية ، هؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم في أتون معركة لم يخطط لها ولم تتخذ عدتها كما أنهم فقدوا توجيه القيادة خلالها .
هذا الأمر تسبب باعتقال الآلاف وهو هروب الآلاف إلى خارج سورية وانضمام أعداد كبيرة إلى الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين.
أوضاعنا في دمشق
عرضنا حتى الآن الموقف الحاصل في حلب وحماة بالفترة الواقعة بين أواخر عام 1979 وأوائل عام 1980 أما في دمشق فكانت الأوضاع السائدة على النحو التالي :
كان عملنا يسير ضمن الإطار العام الذي وضعه قائدنا عبد الستار الزعيم ومن قبله الشهيد مروان حديد ويتلخص ذلك في استمرار حرب العصابات والعمل على المدى البعيد وتوسيع التنظيم على هذا الأساس حسب متطلبات كل مرحلة من مراحل المواجهة ، إن الظروف التي مررنا بها حتى أواخر عام 1979 كانت تختلف عن الظروف التي مر بها الإخوة في حلب وحماة فالعدد النسبي للإخوان المسلمين في دمشق أقل منه في حماة وحلب وجماعة الأستاذ عصام عطار هي الجماعة الرئيسية في المدينة وقد انقسمت على نفسها عدة انقسامات فتحولت إلى عدة تجمعات كما وجد هناك عدة جماعات إسلامية مستقلة تسير على خط الإخوان المسلمين إلا أنها لم تكن تابعة لأي من التنظيمين الأساسيين للإخوان المسلمين ، هذا الأمر خفف من حدة الاعتقالات وجعلها تتأخر عن مدينتي حلب وحماة وسمح للكثيرين من الإخوة أن يسافروا خارج سورية دون الوقوع بين براثن السلطة المجرمة .
ولم نكن في تنظيم الطليعة المقاتلة بمدينة دمشق نقبل بضم أعداد كبيرة دفعة واحدة بل كنا نسعى إلى توسيع التنظيم بشكل فردي أو ثنائي أو ثلاثي ضمن ترتيبات سرية دقيقة ، وكذلك كان سعينا لضم العناصر التي لا تحمل الصبغة الإسلامية ظاهرا لأننا لسنا مضطرين لضم الإسلاميين إلى تنظيمنا بل إننا لم نكن نتصل بهم لكي لا نتيح للسلطة فرصة البطش الجماعي وتفاديا لوقوع المجازر التي اشتهرت بها السلطة .
هذه الأمور ساعدتنا كثيرا والحمد لله في إخفاء تنظيمنا عن عيون السلطة وأجهزتها القمعية وحين حدث الخلل في هذه القاعدة بمخالفة بعض الإخوة لصريح الأوامر الصادرة عن القيادة وتحركوا لضم مجموعات كبيرة من الإخوة دفعة واحدة تحت تأثير ضغوط عاطفية مختلفة كان الثمن باهظا لهذه الأخطاء إذ خسرنا عددا كبيرا من الإخوة بالاعتقال كما فقدنا أعدادا أخرى من خيرة إخواننا شهداء في سبيل الله وسيرد تفصيل ذلك في موضعه إن شاء الله .
لقد سرنا كما مر في تسلسل الأحداث حتى بداية عام 1980 على خطا القائد الشهيد عبد الستار الزعيم وعلى هذا الأساس بنينا تنظيمنا فقد كنا حريصين في كل المراحل على عدم تمكين السلطة من البطش بالشعب ولم نكن نقبل بمبدأ التوريط لأننا نعلم تماما بأن الذي لا يندفع للجهاد من تلقاء نفسه ولا يتحرك بإرادته سوف يخرب أكثر مما يبني ويضر أكثر مما ينفع وبالتالي فسوف يكون عبئا ثقيلا على كاهل التنظيم .
إننا رفضنا طلب الكثيرين من الإخوة بالانضمام إلينا حتى نتمكن من تأمين كل مستلزمات القبول وكما ورد في منهاجنا الحركي :
{ ولا نقبل انضمام أي أخ إلى التنظيم حتى نتمكن من تأمين سلاحه ومصروفه ومأوى أمين له في حال ملاحقته من قبل السلطة } .
هذه ناحية والناحية الأهم هي تأمين الإخوة الأكفاء الذين يتفرغون للإشراف على شؤون الإخوة الملتزمين حديثا بعملنا وذلك حتى لا نعرض الإخوة لأخطاء السر وبالمقابل تزداد معلومات السلطة عن تنظيمنا ، هذه هي أوضاع التنظيم باختصار في دمشق وحلب وحماة ..
تنظيم آخر في دمشق
في هذا الوقت بالذات كان الغليان الشعبي ضد النظام الطائفي قد وصل حده الأعلى وقامت السلطة باستنفار شديد لمواجهة الاحتمالات المتوقعة وبدأ الإخوة في حلب وحماة بتصعيد الأحداث بشكل كبير حتى لا تتمكن السلطة من القضاء على قاعدتهم الشعبية .
وظهر الفارق في الأعمال القتالية بين حلب وحماة من جهة وبين دمشق من جهة ثانية ولم يكن باستطاعتنا مجاراة هذه الأعمال دون الوقوع في أخطاء قاتلة خاصة وأن السلطة استنفرت كافة مخبريها من أجل إيصال عدد منهم إلى التنظيم في حالة الفوضى . وبدأ الضغط علينا من الإخوة في حماة وحلب من أجل تصعيد العمليات ضد السلطة لتتواكب الأحداث في المدن الثلاث .
كان الأخ يوسف عبيد يتحمل القسط الأكبر من هذه الضغوط المختلفة قررت قيادة دمشق التمسك بخطتها القديمة لأنها كانت تدرك تمامآ أن تسريع المعركة يعني القضاء علينا واندثار الجهود التي بذلت طوال العشر سنوات الماضية دفعة واحدة وهنا يحضرني سؤال كنا نوجهه إلى الأخ عبد الستار رحمه الله فحين نطلب منه السماح لنا بتخزين كميات بسيطة من الأسلحة كان يرفض قائلآ :
“إننا لا نحتاج إلى هذه الأسلحة خلال السنوات القادمة ونحن لا نريد أن نصبح أسرى للإمكانيات ولا نريد المجابهة مهما كانت الضغوط نريد الاستمرار في تصفية رؤوس السلطة”.
لقد ظهرت في مدينتي حماة وحلب كميات كبيرة من الأسلحة كما ازداد عدد العمليات والاشتباكات بينما بقيت الأوضاع في دمشق هادئة نسبيآ ولكن ضغوط الإخوة في حلب وحماة فرضت علينا إيصال أعداد كبيرة من الإخوة غير الدمشقيين بتنظيمنا وبما أننا كنا حذرين من الأوضاع الأمنية لهؤلاء الإخوة فقد قمنا بعملية بناء تنظيم جديد لهم تولى قيادته الأخ يوسف عبيد بنفسه بعد أن ترك التنظيم الأصلي لنائبه وبقية أعضاء التنظيم .
وبدأت المتاعب بالظهور داخل التنظيم الجديد بشكل واضح فالإنسان الذي لا يعيش فترة طويلة من الزمن ضمن تنظيم سري يخرب أكثر مما يبني في حال تحركه خاصة في ظروف مشحونة بالعواطف والحماس وهذا ما حدث ضمن التنظيم الجديد وأصبح هذا التنظيم عبئآ علينا استنفذ كل طاقات وقدرات الأخ يوسف عبيد دون فائدة ترجى .
لقد كان بين أفراد التنظيم الجديد عدد من الطيارين في القوى الجوية وعدد من العسكريين داخل الجيش وقد خاض الأخ يوسف مع هذا الخليط اللامتجانس تجربة مريرة دفع حياته في النهاية ثمنآ لها مما ترك في نفوسنا آلامآ لا يعلم إلا الله مداها .
وفي الشهر الثالث من عام 1980 بدأت تنتشر في سوريا شائعات كثيرة بأن المجاهدين سيفجرون الثورة في يوم 8 آذار وأضحت هذه الشائعات كأنها حقيقة واقعة تبين فيما بعد أن بعض الجهات هي التي كانت وراء هذه الشائعات وقد فعلت ذلك لأسباب لا مجال لذكرها هنا وشهدت شوارع دمشق استنفارآ كبيرآ لم تشهد له مثيلآ من قبل إذ أنزلت السلطة إلى شوارع المدينة أعدادآ هائلة من عناصر المخابرات يقودها كبار ضباط الأمن على شكل كمائن مترجلة كما حشدت كل القوى لديها : شرطة ـ شرطة نجدة ـ شرطة عسكرية , ووزعت في الشوارع أعدادآ كبيرة من سرايا الدفاع باللباس المدني , لقد أخذت السلطة هذه الشائعات مأخذ الجد واستعدت لثورة شعبية عارمة سوف يقوم بها الإخوان المسلمون ومن ناحية إعلامية كان هنالك مسلسل الخطابات المحمومة الذي قام به المجرم حافظ أسد نفسه .
إزاء هذا الوضع المتردي اتخذت قيادة الطليعة المقاتلة في دمشق عدة قرارات أمنية لكي تتجنب الوقوع في منزلقات هذه المرحلة منها :
1 ـ منع الإخوة من التحرك داخل المدينة حتى ينتهي الاستنفار وتهدأ الأوضاع .
2 ـ التوقف عن التنفيذ خلال شهر آذار لخطورة الموقف .
إن هذا التوقف له مبرر آخر غير الاستنفار الشديد الذي قامت به السلطة وهذا المبرر هو ضعف الإمكانيات وقلة عدد المنفذين بالنسبة لأعداد المنفذين في حلب وحماة .
لهذا لم نكن نقبل بزج إخوتنا في معركة كهذه لأننا سوف نخسرهم ولن نحقق بالمقابل أي شئ ملموس , أما في حلب وحماة فكانت العمليات والاشتباكات قد بلغت حدآ كبيرآ مما دعا السلطة إلى حشد الوحدات الخاصة والجيش حول المدينتين نمهيدآ لعمليات التمشيط الواسعة .
هناك مسألة أخرى حصلت في هذه المرحلة إذ أننا كنا نناقش ونحاور بعض الإخوة في قيادة تنظيم الأستاذ عصام العطار الذين أكدوا عزم قيادتهم على التحرك وأوهمونا بأنهم امتلكوا تنظيمآ مسلحآ قد تجهز للتنفيذ فطلبنا منهم القيام بعماية تنسيق بيننا في حال عزمهم على التنفيذ تبين فيما بعد أن هذا الكلام ليس له أساس من الصحة .
ونوجه الاهتمام هنا إلى أن الكثير من الفئات الإسلامية بدأت تراهن على قيام الإخوة المجاهدين بتصعيد العمليات العسكرية ضد السلطة بمناسبة 8 آذار ولكن قرار الإخوة في قيادة التنظيم بدمشق القاضي بوقف التنفيذ خلال شهر آذار كشف كل أولئك الذين كانوا يزايدون على ما نقوم به من عمليات وبات واضحآ للعيان أن تنظيم الطليعة المقاتلة هو التنظيم العسكري الوحيد الموجود على الساحة .
وأود أن أوضح هنا بعض الأفكار عن عملية تحرك النقابات العلمية ضد النظام الفاسد.
تحرك النقابات العلمية
لقد تحركت هذه النقابات إما بأمر قيادات الإخوان المسلمين وإما بشكل تلقائي نتيجة الأجواء المشحونة التي سادت في هذه المرحلة وتظاهر المجرم الغادر حافظ أسد بأنه يريد تطبيق الديمقراطية وأنه سمح لأعضاء النقابات بحرية النقد وقام عدد من أركان السلطة بعقد اجتماعات مختلفة مع النقابيين الذين توهموا بأن المجرم حافظ أسد قد تراجع عن حكمه الاستبدادي تحت ضغط عمليات المجاهدين فتكلموا بصراحة وإسهاب عن أخطاء السلطة وبينوا مساوئ النظام وانتقدوا أجهزة المخابرات كما طالبوا بالإفراج عن المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم مع مطالب أخرى ( يوجد شريط مسجل عن بعض وقائع الجلسات التي تكلم فيها بعض أعضاء النقابات ) .
ومرة أخرى تظاهر النظام بالاستجابة لمطالب النقابيين وأنه رضخ لرأي أغلبية الشعب فقام بالإفراج عن عدد من المعتقلين منهم الأخ المهندس غالب آلوسي رحمه الله .
إن هذه الحرية المزعومة في إبداء الرأي وفي التحدث عن النظام بشكل صريح قد كشفت هوية القائمين على هذه النقابات بعد أن كانوا مجهولين مما أتاح الفرصة أمام النظام الإجرامي لتصفية أعضاء النقابات الذين انتقدوا أعماله وقام بزج القيادات النقابية التي عارضته في السجون وأتى بنقابات صورية أعطت ولاءها الكامل للنظام العميل .
لقد كان الخطأ الذي ارتكبه أعضاء النقابات واضحآ وذلك حين توهموا أن نظامآ عسكريآ طائفيآ حاقدآ يمكن أن يتم التعامل معه وفق الأساليب السياسية المعروفة .
إن هذا النظام كما برهنت الأحداث يومآ بعد يوم نظام إجرامي عميل يمسك بزمامه زمرة من الأوباش المجرمين ولن يفهم إلا لغة واحدة ألا وهي لغة القوة والبطش .
كيف تم الإعتقال
نذكر مرة أخرى الأجواء المشحونة التي سادت شهر آذار من عام 1980 هذه الأجواء الملتهبة بالعواطف الجامحة ضد النظام أدت إلى قيام السلطة بحملة اعتقالات واسعة بين صفوف العسكريين في الجيش وبتقدير من الله عز وجل انكشف أمر العديد من أفراد التنظيم الجديد المرتبطين بالأخ يوسف عبيد وتحت التعذيب الشديد اعترف أحد الضباط الطيارين على مكان وزمان اللقاء الذي يتم بينه وبين الأخ يوسف عبيد .
وطار صواب المجرم محمد الخولي رئيس فرع المخابرات الجوي ولم يصدق نفسه ما يسمع لقد اكتشف لقاء للأخ يوسف عبيد في شارع الثورة جانب الجسر وحين اقترب موعد اللقاء قام المجرم بإنزال أعداد كبيرة من ضباطه وعناصره التي موهت نفسها بشكل جيد وانتشرت في الشوارع المحيطة بمكان اللقاء بين الناس مشكلة طرقا كبيرا لا يمكن الإفلات منه .
واقتربت الساعة الخامسة مساءا من يوم 15 آذار وأصبح الأخ يوسف داخل الكمين وفوجئ بثلاثة عناصر يقتربون منه فظنهم دورية راجلة اشتبهت بأمره فما كان منه إلا أن فاجئهم بإطلاق النار قبل أن يتمكنوا منه ولكن بقية العناصر المنتشرة في المنطقة تمكنت من إطلاق النار عليه وإصابته في بطنه إصابات بليغة نقل على أثرها إلى المستشفى بينما كانت بقية العناصر المتواجدة في محيط المنطقة تطلق النار في الهواء بشكل غزير .
ونتيجة لهذا الوابل الكثيف من رصاص المجرمين أغلقت المحال التجارية أبوابها ولم يعد يرى الناس في الشوارع القريبة من مكان الحادث وظن الناس أن ثورة قد بدأت شرارتها والاشتعال مما اضطر السلطة إلى إذاعة بيان عن الحادث بعد ساعة تقريبا أعلنت فيه أنها تمكنت من اعتقال أحد قادة المجاهدين ووعدت بذكر اسمه بعد انتهاء التحقيق معه .
نتائج الاعتقال
بلغني خبر اعتقال الأخ يوسف في نفس اليوم فقد كنت على علم بموعد اللقاء ، وبعد التأكد من الخبر بدأت القيادة باتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لمواجهة الاحتمالات المختلفة .
وهنا نذكر أن المجرم محمد الخولي أعلن أنه سيقضي على تنظيم المجاهدين في دمشق بعد اعتقال الأخ يوسف .
لقد ترك اعتقال الأخ يوسف عبيد جرحا عميقا في صدرنا وإن الحزن والألم كانا كبيرين لفقدان هذا الليث الهصور الذي لم يكن يبالي ولا يتهيب الصعاب .
ولسوف يعتصر الحزن قلبي كلما لاحت ذكراه في نفسي .
إن اعتقال الأخ يوسف كان أكثر من فقدان أخ من الإخوة ، إن اعتقاله كان خسارة كبيرة للمجاهدين في سبيل الله فقد كان ركنا أساسيا من أركان التنظيم وقد كان وجوده بيننا يعطينا قوة معنوية شبيهة بالتي نشعر بها مع القائد الشهيد عبد الستار الزعيم ، فالأخ يوسف من أقدم الإخوة في التنظيم ولقد رأيت صلابة عزمه وشدة بأسه بمواقف يتزعزع عندها الرجال لذلك كنت مطمئنا إلى أن اعترافاته لن تضر بالتنظيم ، وكنت على يقين بأن السلطة لن تتمكن من انتزاع كل المعلومات التي بحوزته مهما استخدمت من الوسائل ومهما اتبعت من الأساليب فالأخ يوسف يشبه القائد الشهيد مروان حديد رحمه الله ولا يختلف كثيرا عن البطل الشهيد موفق عياش أيضا .
لقد وطن نفسه على أسوأ الاحتمالات واستعد لكل المفاجآت .
أما الإخوة المجاهدون في تنظيم الطليعة المقاتلة بدمشق فقد أصيبوا بصدمة هائلة نتيجة لاعتقال أمير التنظيم ونحن متأكدون من أن الأخ يوسف لو كان يدري انه داخل كمين مدبر لما توانى لحظة واحدة في تفجير نفسه لئلا تظفر السلطة به حيا .
ولكن إرادة الله شاءت أن يبتلى الإخوة المجاهدون بفقد أمرائهم الواحد تلو الآخر وما ينتج عن ذلك من ألم الخسارة .
الوضع الداخلي لتنظيم الطليعة المقاتلة في دمشق
إن اعتقال الأخ يوسف أدخل التنظيم في دمشق بمرحلة جديدة كان من أهم سماتها :
1. اعتبار المرحلة السابقة امتحانا للتنظيم تجاوزها بنجاح بفضل الله .
2. قطع كل الاتصالات مع الإخوة اللادمشقيين وطلب منهم الاتصال بقياداتهم في حلب وحماة .
3. الانغلاق الذاتي على النفس حتى لا تتكرر مأساة الأخ يوسف ، واستمر هذا الانغلاق مدة شهر تقريبا تم فيها ترتيب الأمور بشكل يتناسب مع المرحلة القادمة ومتطلباتها .
الوضع في مدينتي حلب وحماة
هذه الفترة بدأت السلطة بتمشيط مدينتي حلب وحماة مستخدمة الفرقة الثالثة التي يرأسها المجرم شفيق فياض خال الرئيس المجرم حافظ أسد .
كان التمشيط دقيقآ أرادت السلطة من خلاله استدراج الإخوة في حلب وحماة إلى مجابهة مكشوفة تتمكن فيها من القضاء على المجاهدين مهما كلفها ذلك من خسائر .
لكن قيادة المجاهدين في حلب وحماة بإمرة الأخوين عدنان عقلة وهشام جنباز استطاعت أن تفشل هذا المخطط بالصبر والحكمة ورغم المتاعب الكبيرة التي سببتها لهم السلطة خلال التمشيط ومن هذه المتاعب : الحقارة المتناهية في معاملة الأهالي أثناء التمشيط.
لقد مشطت الأحياء حيآ بعد حي وشارعآ بعد شارع مرات عديدة لم يدفع الإخوة فيها سوى خسائر طفيفة ولم تؤثر على العمود الأساسي للعمل الجهادي المسلح .
إنني هنا أشير إشارة مجملة لما حصل في حماة وحلب وذلك لربط الأوضاع القائمة هناك ومعرفة تأثيراتها مع ما يجري في دمشق وعلى هذا فأنا لا أذكر الأحداث مفصلة ولا أتوسع في دقائقها بشكل كامل بل أترك ذلك للإخوة هناك فهم الذين عايشوها وخبروا تفاصيلها المختلفة وهم أقدر مني على شرح تلك الأوضاع.