الرئيسية / قراءة في كتاب / على ثرى دمشق

على ثرى دمشق

أولى عمليات الإخوان المسلمين ( التنظيم الجديد )

في هذا اليوم بالذات نفذ الإخوان المسلمون أولى عملياتهم ضد النظام الطائفي المتسلط حيث قاموا بتوزيع قصاصات ورقية صغيرة كتبت عليها عبارات تهاجم النظام وأحكامه الجائرة وخاصة القانون 49 الذي أصدره المجرم حافظ أسد ويقضي هذا القانون بإعدام كل من ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين وقد وزعت هذه القصاصات بكميات هائلة في مساجد دمشق وفي الطرقات وهذه العملية تم تنفيذها دون التنسيق معنا وسنعرض لتفصيل ذلك إن شاء الله .

إستشهاد الأخ القائد هشام جنباز

وفي اليوم الرابع من شهر شوال التقيت بالأخ جابر وهو المراسل الخاص ما بين حماة ودمشق ونقل لي ما جرى للأخ هشام جنباز أمير التنظيم الجهادي في سورية بعد قدومه إلى حمص فقد اشتبك الأخ هشام مع عناصر المخابرات وأصيب بجراح خفيفة كما استشهد أحد الإخوة المرافقين له وهو الأخ عرفان سراقبي وأصبح الوضع الأمني للأخ هشام في مدينة حمص سيئآ وبعد عدة أيام أعلنت السلطة المجرمة عن استشهاد الأخ البطل هشام جنباز إثر معركة طاحنة دارت رحاها في بساتين الميماس بحمص واستغرقت عشر ساعات استخدمت السلطة في هذه المعركة طائرات مروحية كما قامت بتطويق البساتين بحوالي 10 آلاف عنصر .

وأود هنا أن أكتب لمحة عن الأخ الشهيد هشام جنباز ولن تستطيع هذه الكلمات أن تفي بجزء ضئيل مما عرف عن البطل الشهيد وسأقوم بربط الأحداث المستجدة التي ترافقت مع استشهاده والتي لها الأثر الكبير على خط سير التنظيم الجهادي في دمشق إنها مرحلة عصيبة دفعنا فيها الكثير من الضحايا وفقدنا الكثير من الشهداء الأبرار كما أننا خسرنا الكثير من الإمانيات .

ترجع معرفتي بالأخ هشام جنباز إلى عام 1977 حين عرفني عليه أستاذنا القائد الشهيد عبد الستار الزعيم وزادت معرفتي به حين كلفنا بتنفيذ حكم الله بالمجرم إبراهيم نعامة وقدر الله لي أن أسكن مع الأخ هشام والأخ مهدي علواني في بيت واحد إثر الاعتقالات والإجراءات الشديدة التي اتخذتها السلطة وكانت الفترة التي قضيناها عدة شهور مضت باستطلاع الأهداف ودراستها مع مناقشة وضع التنظيم ومتابعة شؤونه ومن خلال هذه الأيام ظهر أمامي ذلك البطل المجاهد وما تميز به من خصال حميدة .

في البيت عرفت تقواه وصلاحه وعلو همته وكثرة تعبده وتلاوته للقرآن وشغفه الشديد بالمطالعة كما أنه لم يكن ليدع رياضة الجسم بعد رياضة النفس فكان قوي البنية مهيئآ لخوض المخاطر في كل الأحيان وعرفته مجاهدآ صلبآ قوي القلب متزن الفكر هادئ الأعصاب متمرسآ بقتال أعداء الله وذلك من خلال المخاطر اليومية التي نتعرض لها أثناء الاستطلاع وحسبه رحمه الله أنه كان يكلف بتنفيذ أخطر المهمات وقد صرح لي الأخ القائد عبد الستار الزعيم أنه يكن في نفسه احترامآ خاصآ للأخ هشام , ولهذه الصفات كان يميزه عن بقية الإخوة في التنظيم إضافة لما ذكر فقد كان الأخ هشام لطيف المعشر كثير المرح لا يمل جليسه كثرة الجلوس معه وكان ينتقل مابين دمشق وحماة حسب متطلبات التنظيم وقد شهدت له دمشق وحلب وحماة عدة عمليات ناجحة ضد رؤوس السلطة , وبعد استشهاد الأخ عبد الستار الزعيم رحمه الله تسلم قيادة التنظيم في حماة الأخ هشام جنباز الذي عانى الكثير من الصعوبات وهو يواجه الأوضاع الأمنية الجديدة كما تسلم قيادة التنظيم الجهادي في سورية وأرسل لنا عددآ من المراسلين برسائل كتابية وشفوية لتنسيق المواقف المختلفة والسير بخطة واحدة في جميع المدن السورية وبعد مناقشات طويلة استقر الرأي على النحو التالي :

الاستمرار بطريقة حرب العصابات في مجابهة السلطة وهذا القرار يستدعي تخفيف الإخوة في حماة من عملياتهم التنفيذية بينما نزيد في دمشق من وتيرة عملياتنا وبذلك يصبح الوضع متناسبآ بين المدينتين وتكفل الأخ هشام بمتابعة الأوضاع مع الأخ عدنان عقلة في مدينة حلب حتى يكون التنسيق كاملآ على الساحة السورية ويعود التنظيم لسابق عهده كما كان أيام القائد عبد الستار رحمه الله .

ننتقل إلى مدينة حمص حيث كان الإخوة هنالك يعانون من ضعف كبير في الخبرة الحركية ونقص في الإمكانيات وخاصة بعد استشهاد الأخ الداعية عبد المعين السيد قائد التنظيم في حمص مع عدد من إخوانه الأبرار .

وكانت هناك مشكلة أخرى وهي كثرة العناصر المطلوبة مع قلة القواعد المتوفرة مما أدى إلى اعتقال واستشهاد العديد من الإخوة الذين لا يجدون القواعد اللازمة لإيوائهم .

فقد قام العميد النصيري المجرم غازي كنعان رئيس المخابرات العسكرية في مدينة حمص بحملة اعقالات واسعة شملت الصف الإسلامي بأكمله وقد كان زبانيته يعتقلون كل شاب مسلم عرف عنه أنه يصلي حتى امتلأت بهم السجون واضطرت أعداد كبيرة إلى التواري عن الأنظار والهروب من الاعتقال ولما لم يجد هؤلاء الإخوة القواعد اللازمة للاختفاء راحوا يتجولون في النهار بالشوارع وفي الليل يبيتون في المقابر والبساتين التي لم تسلم من التمشيط . لقد عمل المجرم غازي كنعان على نشر أعداد كبيرة من عناصر المخابرات في الشوارع والأحياء وكانوا يمسكون بكل مشتبه به بشكل مفاجئ في الطريق , هذا العمل أدى إلى اعتقال أعداد كبيرة من الإخوة واستشهاد أعداد أخرى .

أمام هذا الوضع المأساوي الذي عاشه التنظيم المسلح في مدين حمص قررت قيادة المجاهدين في حماة أن ترفد الإخوة في حمص بعدد من العناصر الحركية المتمرسة لدعم التنظيم المسلح هناك وكان الأخ هشام على رأس هؤلاء الإخوة حيث انتقل إلى مدينة حمص ليتحمل بنفسه أعباء هذه المهمة وترك قيادة التنظيم في حماة لنائبه الأخ تميم الشققي وفي فترة تقارب الشهر تمكن الأخ هشام من ضبط الأمور وذلك بما عرف عنه من سرية وحزم .

 الرد على مجزرة تدمر

وهنا نعود إلى مجزرة تدمر حيث قررت قيادة المجاهدين القيام بأعمال انتقامية من المجرم أسد وزبانيته الأشرار وقرر الأخ هشام في حمص تنفيذ عملية كبيرة في الكلية الحربية يمكن تشبيه هذه العملية بمدرسة المدفعية التي حدثت في حلب وتتلخص بالهجوم على ندوة الكلية الحربية ومهاجمة العناصر النصيرية والحزبية أثناء تناول طعام الغداء في شهر رمضان المبارك البالغ عددهم حوالي 500 عنصرآ تقريبآ وسيقوم بالهجوم عشرون أخآ بالاشتراك مع بعض العسكريين داخل الكلية الحربية نفسها .

كانت الخطة محكمة تمامآ وستؤدي إلى القضاء على كافة العناصر المتواجدة داخل الندوة ولكن إرادة الله شاءت أن ينكشف أمر هذه العملية قبل التنفيذ .

نحو الاستشهاد

أوقف الأخ هشام السيارة التي كان يستخدمها في مكان قريب من البيت الذي يقيم فيه ولاحظ أحد مخبري السلطة ثلاثة شباب غرباء يترجلون من السيارة ويدخلون إلى أحد البيوت القريبة فارتاب من أمرهم وقام بإحضار دورية تابعة للمخابرات التي جاءت وفتحت باب السيارة وبحثوا عن أوراقها فلم يعثروا عليها فقرعوا باب المنزل الذي دخله المجاهدون وما هي إلا لحظات قليلة حتى تبين الإخوة حقيقة الموقف وانطلق الأخ هشام بجرأته المعهودة نحو الدورية وهو يطلق الرصاص من رشاش نوع شناير فقتل ثلاثة وجرح الرابع الذي تمكن من إطلاق النار فجرح الأخ هشام واستشهد الأخ عرفان سراقبي رحمه الله .

انسحب الأخ هشام مع اثنين من إخوانه في السيارة مسافة 3 كم ثم ترجلوا منها وتوجهوا نحو بساتين الميماس إلى مزرعة قريبة يملكها أحد الإخوة .

وقضت إرادة الله أن يعتل أحد الإخوة الذين يعرفون المزرعة في اليوم الثاني وتحت التعذيب انتزع منه اعتراف حول مكان الأخ هشام وعلى الفور طوقت المنطقة بـ 10 آلاف عنصر من الكلية الحربية مدعومين بالدبابات والطائرات المروحية , ودارت رحى معركة رهيبة استمرت 10 ساعات استخدم فيها الإخوة البنادق الروسية والقنابل اليدوية وأسفرت المعركة عن استشهاد الأخ هشام مع عدد من إخوانه وتمكن عدد آخر من الانسحاب من ساحة المعركة بينما قتلت أعداد كبيرة من عناصر السلطة .

لقد كان استشهاد القائد هشام جنباز على أروع ما يكون الاستشهاد بعد أن أمضى حياته جهادآ في سبيل الله وستشهد دمشق وحماة وحمص وحلب على صد عزيمته وشدة بلائه ومضائه , وودع الشعب الصابر في سورية أحد مجاهديه الأبطال الذين وقفوا بوجه الظلم والاستبداد ولسوف يروي التاريخ قصص الأبطال الذين حملوا لواء دعوة الإسلام فوق هذه الربوع وسطروا عليها أروع الصفحات وخلدوا ذكرى المسلمين في حقبة قاسية لم يشهد لها التاريخ الإسلامي مثيلآ من قبل , ولن ينسى القائد الشهيد مروان حديد ومن بعده القائد الشهيد موفق عياش والقائد الشهيد عبد الستار الزعيم والقائد الشهيد هشام جنباز, ولن ينسى تميم وخليل الشققي ولا بسام أرناؤوط ولا عمر جواد وغيرهم من القادة الأعلام وستبقى دماؤهم الزكية تشع نورآ على طريق الجهاد الطويل وستبقى نبراسآ لكل مجاهد يسير في هذا الطريق وسينقشع ظلام الجاهلية العمياء وتشرق شمس الحقيقة الوضاء فوق ربوع سورية بإذن الله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .

رحمة الله عليك يا أيها البطل الشهيد .

ونحن لن نركن ولن نلين وسنظل على العهد , عهد الله في متابعة الطريق وسنتقدم إلى الأمام ولن نتراجع أبدآ وسنبذل الدماء رخيصة في سبيل الله حتى تعلو وترتفع راية الإيمان ,لقد أرادت السلطة المجرمة بحق شعبنا المؤمن أن تستغل استشهاد الأخ هشام جنباز القائد الأعلى للطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين في سورية فحاولت أن ترفع معنويات عناصرها المنهارة تحت ضربات المجاهدين فأعلنت بأنها ستقضي على الإخوة المجاهدين وستصفي كل أفراد التنظيم في فترة قصيرة .

تراجع السريع في عمليات المجاهدين بمدينة دمشق

في هذه الفترة العصيبة التي كانت تمر بها سورية وحركتها الجهادية المباركة وقعت في دمشق أحداث جسيمة في فترة ما بين عيدي الفطر والأضحى كان لها تأثير كبير على مجرى الأحداث الداخلية فانقلبت موازين المعركة وبدأت نتائجها تتحول في تراجع عكسي واضح وظهرت على وجوه الناس علائم الذهول والاستغراب فما الذي حصل في صفوف المجاهدين حتى تبدلت الأوضاع ؟.

لقد كانت علامات التراجع واضحة لكل متابع للأحداث وذلك بالمقارنة مع الأوضاع السابقة فمنذ اعتقال الشيخ مروان حديد والأخوين عرفان المدني وموفق عياش أي من عام 1976 وحتى عيد الفطر عام 1980 كانت خسائرنا طفيفة بالنسبة لخسائر السلطة وفجأة ودون مؤشرات أو مبررات بدأت الأوضاع بالتراجع بشكل مذهل فخلال شهرين قامت السلطة بمداهمة عشرات القواعد واعتقلت مئات الإخوة من إخواننا المسلمين واستشهد المئات من الإخوة المجاهدين وتوقفت عمليات التنفيذ ضد السلطة المجرمة ونشطت السلطة بحملة إعلامية واسعة ادعت فيها القضاء على المجاهدين في مدينة دمشق قضاء مبرمآ وأصدرت قانونها بالعفو عن كل إنسان ينسحب من جماعة الإخوان المسلمين .

كل هذه التراجعات حصلت خلال شهرين اثنين فما هو السبب الحقيقي وراء هذه الانتكاسة الخطيرة ؟ وما هو السر وراء كل هذه الخسائر ؟,

إن كثيرآ من إخوتنا المجاهدين وكذلك أبناء شعبنا المصابر الذين عايشوا هذه الفترة المأساوية بكل مصائبها وماعبها كانوا يودون لو عرفوا الأسباب الحقيقية وراء هذا الانهيار .

لقد كتمنا هذه الأسباب عن كثير من المتعاطفين معنا وحتى عن إخوتنا داخل التنظيم لاعتبارات أمنية معينة حالت دون الإفصاح عن ذلك في نفس التاريخ أما اليوم فإننا نود كشف هذه الحقائق وتبيين وقائعها لسببين :

1ـ إن كل هذه الأحداث بتفاصيلها ومادار خلالها من مناقشات قد وصلت إلى السلطة إثر اعتقال عدد من الإخوة الذين لهم علاقة بهذا الموضوع .

2ـ بناء على ذلك وتوخيآ للفائدة من هذه التجربة المريرة ولكي يعلم المسلمون الأسباب الحقيقة وراء الفشل الحاصل وحتى يتبين لهم بأن الخلاف والنزاع لا يأتي إلا بالفشل والتدمير والعياذ بالله , وحتى يستفيد المخلصون من هذه التجربة القاسية ويبتعدوا بكل ما أوتي من قوة عن التنازع والخلاف والتفرق , إننا سنعرض الأمور كما حصلت لا نبتغي من وراء ذلك إلا وجه الله تعالى , لقد دفعنا الكثير من الدماء وخسرنا العديد من الإمكانيات ولا بد للمسلمين من اجتناب كل هذه الأسباب التي تؤدي إلى فشلهم وذهاب ريحهم .

إن اعتقادنا الذي رسخ في أذهاننا بأنه يجب علينا أن نتحدث عن هذه الأوضاع وما رافقها من مشكلات حتى ننصح للمسلمين ونؤدي أمانة في أعناقنا بإزالة الغبش عن العيون بقدر ما نستطيع وربما سببنا بعض الألم ولكن لا بد لنا من أن نضع يدنا على الجرح الكبير لنتجنب أسبابه ودواعيه ونسأل الله عزوجل أن يجعل الخير للمسلمين في هذا العمل وأن يجعله خالصآ لوجهه الكريم .

 نظرة أولية

ذكرنا سابقآ أن معظم قياديي جماعة الإخوان المسلمين مع كثير من عناصرهم قد غادروا سورية مابين عامي 1977 ـ 1980 وأن تنظيمهم داخل سورية لم يعد فعالآ كالسابق بالمقابل نشط الإخوة خارج سورية وبذلوا جهودآ مشكورة بتوفير الدعم المعنوي لحركة الجهاد داخل سورية من خلال النشاط السياسي الواسع وكذلك العمل على جمع التبرعات المالية لمساعدة المجاهدين في الداخل .

خلال هذه السنوات لم يكن لنا أي اتصال مع قيادة جماعة الإخوان المسلمين في الخارج ولم يكن لنا أي اتصال آخر سوى اتصالنا مع الإخوة في الطليعة المقاتلة بحماة وحلب أما المساعدات فقد كانت تأتينا من قبل تنظيم الطليعة في حماة وذلك منذ عهد القائد الشهيد عبد الستار الزعيم , في بداية عام 1980 التقيت بأحد الإخوة التابعين لجماعة الإخوان المسلمين فأخبرني عن رغبة الإخوة خارج سورية في قيام علاقة مباشرة بيننا وبينهم لتأمين احتياجاتنا اللازمة عن طريق مباشرة , نقلت هذه الرغبة إلى الأخ يوسف عبيد الذي نقلها بدوره إلى القيادة في حماة وكان جواب الأخ هشام كالتالي :

“لا مانع لدينا من إقامة علاقة مساعدة بينكم وبين الإخوة خارج سورية ولكن من الناحية التنظيمية لا علاقة لنا بهم نهائيآ فعلاقتنا معهم هي علاقة تعاون وتقديم مساعدات فقط “.

 بداية الاتصال ـ أبو فرج ـ

بعد موافقة الأخ هشام على إقامة الاتصال بيننا وبين الإخوة خارج سورية أرسلنا أحد الإخوة إليهم فاستقبلوه استقبالآ حارآ وحملوه رسالة إلينا أخبرونا فيها عن رغبتهم بتقديم الإمكانيات المادية وإرسال بعض الإخوة لدعم التنظيم داخل دمشق وأرسلوا أحد الإخوة ليكون المراسل الخاص فيما بيننا .

ووصل الأخ المراسل سالم الحامد ـ أبوالفرج ـ إلينا في نفس اليوم الذي اعتقل فيه الأخ يوسف عبيد وعليه فقد كلفني الإخوة في تنظيم دمشق باستقباله وترتيب اللقاءات معه والتي بلغت لقاءآ أو اثنين في الأسبوع وكان أول لقاء لي معه بتاريخ 1980/3/16 أي بعد يوم واحد من اعتقال الأخ يوسف عبيد وأحضر الأخ سالم مبلغآ من المال مع رسالة خطية فحواها :

إننا نقدم إلى الإخوة في حماة ما يلزمهم مباشرة .

وإلى الإخوة في حلب ما يلزمهم مباشرة .

وحبذا لو عرفنا طلباتكم لتأمينها مباشرة .

وطلبوا شراء ثلاثة بيوت بثلثي المبلغ المرسل وذلك لإدخال ثلاث مجموعات إلى دمشق أما الثلث المتبقي فهو للطليعة المقاتلة في دمشق كمساعدة مالية .

ذهل الإخوة في دمشق لضخامة المبلغ المرسل بالنسبة لذلك الوقت وكذلك لطلب شراء البيوت بالمقابل قمنا بإرسال رسالة شفوية إلى الإخوة خارج سورية أبلغناهم فيها عن حاجتنا لكامل المبلغ فميزانية التنظيم كانت ضعيفة جدآ كما أنه يوجد عندنا أعداد كبيرة من المطلوبين الذين نعاني صعوبة كبيرة في تأمين مأوى لهم وكان لدينا نقص واضح في الأسلحة فنحن بحاجة لهذا المبلغ لتغطية النفقات المختلفة وقمنا بإخبارهم عن وجود أعداد كبيرة من الإخوة غير الملاحقين لذلك فنحن لسنا بحاجة إلى إخوة مطلوبين لأنهم سيكونون عبئآ على التنظيم يقلص حركته ويزيد متاعبه , وجرت مناقشات حول هذا الموضوع نقل إلينا الأخ أبو الفرج رأي الإخوة في هذا الأمر فقال : “إن قرار الإخوة في الخارج بإنزال مجموعات إلى دمشق هو قرار نهائي لا رجوع عنه ” .

ونقل على لسانهم :”إن هذا القرار قد اتخذ بناء على طلب من إخواننا في الطليعة بمدينتي حماة وحلب لدعم المجاهدين في دمشق”.

 خلاف في وجهات النظر وتسريع المعركة

لقد كان حضور الأخ سالم إلينا في وقت تزايدت فيه الظروف الأمنية إثر الأوضاع المتأزمة على الساحة السورية بأكملها ورافق ذلك اعتقال الأخ يوسف عبيد فالوضع بالنسبة لنا كان حرجآ للغاية وبدأ الأخ سالم الحامد مواليد حماة 1958 بالتدخل في الشؤون الداخلية لتنظيم دمشق وأخذ يطلب تصعيد العمليات خاصة أثناء التمشيط الحاصل في حماة وحلب وأخبرته بأن خطتنا تقتضي الهدوء وعدم التنفيذ حتى نغلق بوجه السلطة كل الثغرات التي تحاول فتحها على التنظيم .

كان الأخ سالم ورعآ تقيآ كثير العبادة متحمسآ للجهاد وهو كأي شاب متحمس دخل المعركة حديثآ ولم يكتوي بنارها يرغب في تصعيد العمليات دون حساب النتائج وكان يكرر دائمآ قول الإخوة خارج سورية :

“إن حسابات الإخوة في دمشق كثيرة وهم لا يؤمنون بالمجازفة إلا إلى حدود معينة”,

ولم يكن يعلم أن كافة الإخوة في قيادة التنظيم اشتركوا في معظم العمليات التي نفذت في مدينة دمشق وأن الإخوة في القيادة هم الذين نفذوا بأنفسهم أخطر المهمات والتي بلغت نسبة المجازفة فيها 100% كما أرسل الإخوة في الخارج رسالة أخرى أخبرونا فيها :

“نحن نسير على المبدأ التالي : إن العمليات توجد التفاعلات نفذوا يا إخوتنا ولو بأهداف بسيطة : عامل ـ موظف صغير ـ عمليات تفجير”.

واختصارآ لكل ذلك نقول إنها عملية ضغط شديدة بدأت علينا لتسريع المعركة وزيادة الأهداف المنفذة وتصعيد الأحداث وكانت بداية هذا الضغط منذ اتصالنا بالإخوة خارج سورية .

في هذه الفترة بالذات اتسع حجم القاعدة الشعبية المؤيدة للطليعة المقاتلة , لقد كان هؤلاء الناس معجبين بالتخطيط الدقيق والتنفيذ الناجح والجرأة في العمليات وبأقل الخسائر لذا فقد كنا نسعى دومآ لعدم تمكين السلطة من البطش بهذه القاعدة الواسعة وقد قمنا لاستيعاب عناصر جديدة غير ملاحقة من الراغبين في سلوك طريق الجهاد المبارك لتوسيع التنظيم المسلح , هذه العناصر تحتاج لفترة تفرغ كافية يتم خلالها التأهيل الصحيح والتدريب الكافي على السلاح والحركة قبل أن توضع في عملية المجابهة مع النظام , وكان حرصنا شديدآ على السرية التامة فتنظيمنا قبل كل شئ هو تنظيم سري والتفريط في هذا الأمر يعني القضاء على التنظيم مهما بلغت شدته وقوته لهذا السبب تفرغ عدد كبير من الإخوة القياديين لهذه المهمة وكانت الخطوات تسير بشكل ناجح محاطة بسور قوي من السرية والحذر والكتمان

لقد رفضنا دخول أي عنصر من خارج سورية وبذلنا كل ما في وسعنا لمنع ذلك لأننا نعلم أن التوسع العشوائي والسريع سوف يقضي على السرية وسيؤدي بالنتيجة إلى الانهيار المفاجئ إننا طلبنا إرسال الأموال فقط لا نحتاج إلا الأموال ورفضنا التدخل في شؤون التنفيذ لأن هذا الأمر هو من شأن القيادة في دمشق بالتنسيق مع الإخوة في حماة وحلب , وأخبرناهم بأننا لن نقوم بأي خطوة تسبب الكوارث للمسلمين فنحن لسنا على عجلة من أمرنا ومعركتنا مع النظام مستمرة منذ عام 1975 ولن نغير مخططاتنا ولن نستدرج إلى معركة لم نخطط لها أو نعد لها عدتها لأننا لا نسمح لأنفسنا أن نضيع دماء شهدائنا أو نفرط بأرواح مجاهدينا الذين تربوا خلال سنين طويلة من الصبر والمعاناة حتى وصلوا إلى مستواهم الحالي ولن ننسى نصيحة أستاذنا القائد عبد الستار الزعيم :”إياك أن تهاجم خصمك ويده على الزناد”, إن الحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث.

 ما الذي حصل

بعد انتهاء المناقشات التي دارت بيننا أبلغني الأخ أبوالفرج بأنه تم إنزال مجموعة من الشباب الملاحقين إلى دمشق واستطاع الإخوة أن يؤمنوا بيتآ لهذه المجموعة بواسطة أحد معارفهم , ومن جديد طلبت منه أن ينقل إلى الإخوة خارج سورية عدم موافقتنا على نزول أي إنسان إلى الداخل لأننا لسنا بحاجة إلى أعداد كبيرة , ولأن هذا العمل ينطوي على مخاطر كبيرة في المستقبل فالموضوع أكبر من إنزال المجموعات إلى الداخل فالأعداد الكبيرة من الإخوة والكميات الهائلة من الأموال والأسلحة لن تفعل أي شئ إذا لم يتوفر الجهاز الحركي السري المنضبط والقيادة الذكية المدركة لأبعاد المعركة ومتطلباتها فتعلم متى تنفذ ومتى تقف ومتى تبني كما أنها تملك قدرة كبيرة على تلقي الصدمات وامتصاصها وتسد بسرعة الثغرات التي تنفتح على التنظيم , ودون هذه القيادة لن تستطيع الإمكانيات أو الأعداد الكبيرة من الإخوة أن تقوم بأي عمل فعال بل على العكس من ذلك فستصبح الأعداد الكبيرة والإمكانيات الواسعة عبئآ كبيرآ على المجاهدين وسيكون هؤلاء الإخوة فريسة سهلة لأجهزة المخابرات وضباطها المجرمين .

أن العمل في دمشق يختلف اختلافآ كبيرآ عن العمل في بقية المدن السورية فمركز الثقل بالنسبة للنظام موجود في دمشق بكل إمكانياته المتنوعة ـ قيادات سياسية ـ عسكرية ـ قيادات المخابرات ـ دوائر الدولة المختلفة , وإن نشوء تنظيم مسلح في دمشق تحت إشراف قيادة فعالة يعني القضاء على الرؤوس المدبرة للنظام المتسلط ويعني أيضآ الوصول إلى رأس المجرم حافظ أسد ولذلك فقد زج النظام بكل ثقله في دمشق للقضاء على تنظيم الطليعة المقاتلة في دمشق قبل أن يتمكن التنظيم من قتل أعداد من رؤوس النظام وهذه المخاوف التي تشعر بها السلطة لها مبرراتها وهذا ما أثبتته الأيام حين نسف مجلس الوزراء وفجرت آمرية الطيران وقتل عدد كبير من المقربين إلى المجرم أسد , وكان جواب الإخوة على رفضنا لإنزال أي إنسان من خارج البلاد هو كما يلي :

“إن حجم الإخوة الذين خاضوا التجربة الجهادية قليل في دمشق ومع ذلك فقد أوقعوا الخسائر الفادحة التي هزت النظام فكيف إذا أنزلنا الأعداد الكبيرة والإمكانيات المادية الضخمة حتمآ سنتمكن من القضاء على النظام في فترة وجيزة”.

إن مواجهة السلطة المجرمة في دمشق تحتاج إلى خبرة حركية عالية وإلى قيادة ميدانية مجربة , وسامح الله الإخوة خارج سورية فهم يعلمون أن قيادة الطليعة المقاتلة بدمشق تخوض المعركة ضد نظام المجرم أسد منذ اعتقال الشيخ مروان حديد عام 1975 إلى الآن وقد مر مجاهدو دمشق بمراحل صعبة وتجارب مريرة حتى وصلوا إلى المستوى الذي يمكنهم من الصمود في هذه المعركة الشرسة .

ووصل الحوار فيما بيننا إلى طريق مسدود وذلك حين طرح موضوع الولاء وطلبت من الإخوة في الخارج استبدال أبي الفرج بأخ آخر فتم ذلك وكانت صلتنا الجديدة مع الأخ غالب آلوسي

عن عبد الله

شاهد أيضاً

على ثرى دمشق_التاريخ المنسي

الحملة الإعلامية المسعورة تناقلت وكالات الأنباء العالمية والإذاعات أخبار العملية على الفور دون تحديد نوعية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *