الرئيسية / قراءة في كتاب / على ثرى دمشق

على ثرى دمشق

مداهمة قاعدة بمنطقة المزة

واستمرت حملة الاعتقالات التي لم تتوقف منذ منتصف عام 1980 والتي شملت أعدادا كبيرة من الشباب الإسلامي وبتقدير من الله تعالى اعتقل الأخ أيمن الملقي الذي يعمل صيدليا واعترف تحت التعذيب الشديد على قاعدة لنا في منطقة المزة وعلى الفور قامت قوات كبيرة تابعة للمجرم علي دوبا رئيس المخابرات العسكرية بتطويق المنزل من المساء واحتلت الأبنية المحيطة بالمنزل وتوزعت بشكل يجعلها مشرفة على المنزل من كل الجوانب وانتظر المجرمون إلى الصباح أي إلى زمن الموعد الذي يحضر فيه الأخ أيمن حسب العادة وصادفت هذه الليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك وقد أحياها الإخوة في العبادة وذكر الله سبحانه وتعالى ، ولما قرع المنزل صباحا نظرأحد الإخوة من خلال المنظار المثبت في الباب فوجد الأخ أيمن وهو يقف أمام الباب وبالقرب منه ثلاثة من المجرمين الذين حاولوا الاختفاء في الزوايا المحيطة بباب المنزل وكان الإعياء ظاهرا على وجه الأخ أيمن وعلى الفور ألقى الأخ بشار السادات أمير القاعدة نظرة شاملة حول البيت فرأى أعدادا كبيرة من عناصر المخابرات تحاول الاختباء وراء الأعمدة الإسمنتية وهي تطوق البيت من كل الجهات وعلى الفور أمر الإخوة بارتداء ملابسهم وحمل أسلحتهم الفردية وتم ذلك بهدوء كامل وبسرعة كبيرة وتواصى الإخوة بالثبات والقتال حتى الاستشهاد وعدم تمكين المجرمين من اعتقال أي منهم وكان الفرح والسرور والبشر والنور يعلو وجوه الإخوة وكأنهم مقبلون على أعراسهم وليس على مجابهة الموت .

وقرر الأخ بشار السادات أن يقتحم الطوق ويندفع مع بقية الإخوة في هجوم استشهادي خارج المنزل وذلك بعد أن رأى الطوق المركز الذي يحيط بالمنزل وبذلك إما أن تتم خلخلة الطوق والانسحاب وإما أن تكون الشهادة في سبيل الله فالمقاومة من داخل المنزل صعبة جدا ولن يتمكن الإخوة من الدفاع بشكل جيد ، لقد جرت هذه المشاورات خلال ثوان معدودة من الوقت في حين كان القرع مستمرا على باب المنزل ، وبعد أن تم الاستعداد لمواجهة الموقف قام أحد الإخوة بإلقاء عبوة ناسفة باتجاه باب المنزل تزن 1 كغ ادى انفجارها إلى قتل المجرمين الثلاثة ومن المرجح أن الأخ أيمن الملقي قد لاقى ربه شهيدا بعدها اندفع الأخ زياد الحريري خارج المنزل وهو يطلق النار من بارودته الروسية وتبعه الأخ بشار وهو يصلي المجرمين من نيران بارودته الروسية أيضا .

هذا الاندفاع المفاجئ أدى إلى تخلخل الطوق وتراجع الجموع المجرمة وهم في حالة فزع شديد واستمر الأخوان بإطلاق النار وهما يجتازان الحواجز الكثيفة من نيران المجرمين وأخيرا تمكن الأخ بشار السادات من اقتحام الطوق والانسحاب بسلام بينما استشهد الأخ زياد وهو يحاول اجتياز آخر منعطف نحو الطريق العام حين أصيب بزخات كثيفة من رصاص الغادرين ، في هذا الوقت انهالت آلاف الطلقات على المنزل تتبعها قذائف الـ آر بي جي ورد الإخوة بإلقاء عدد من العبوات الناسفة والقنابل اليدوية باتجاه العناصر القريبين من المنزل مما أدى إلى قتل وجرح عدد منهم ، دب الذعر في قلوب عناصر المخارات وابتعد ضباطهم إلى مكان بعيد عن ساحة المعركة واقترب مكروباص من المنزل لإنزال عدد من العناصر وعلى الفورانطلق الأخ وسيم مشنوق باتجاهه وآلاف الطلقات تتجه نحوه وهو ممسك بعبوة ناسفة تزن 3 كغ في محاولة منه لتفجير المكروباص بنفسه لكنه استشهد على بعد أمتار من المكروباص بعد أن أصيب بعدد من الطلقات وانفجرت العبوة وأدى انفجارها إلى قتل عدد من المجرمين ، وبقي اثنان من الإخوة داخل المنزل أحدهما الأخ باسل أماصلي الذي كان يعاني من كسر في ساقه يمنعه من الجري فتمركز داخل البيت وبدأ يطلق النار من بارودته الروسية ويلقي بالقنابل اليدوية على المجرمين بينما انطلق الأخ الثاني خارج المنزل وهو يهتف : الله أكبر .. الله أكبر .. بأعلى صوته ويصلي المجرمين نيرانا غزيرة من بارودته الروسية وتمكن من اقتحام الطوق والانسحاب بسلام والحمد لله واستمر الأخ باسل في الاشتباك مدة نصف ساعة ثم لاقى ربه شهيدا بعد أن أصاب عددا من المجرمين .

تركت هذه المقاومة المجرمين في حالة دهشة وذهول فقد كانوا يسيطرون على الموقف من كل الجهات وهم يمنون أنفسهم باعتقال الإخوة بكل يسير وسهولة ولكن الله شتت شملهم وضيع أمرهم فأصيب قائد عملية المداهمة بجراح من جراء قنبلة انفجرت بالقرب منه وقد سبب لهم انسحاب اثنين من الإخوة غيظا شديدا فقاموا باعتقال أهالي الشهداء انتقاما لذلك ، وجاء المجرم علي دوبا بعد ساعتين من انتهاء المعركة إلى المنزل ورأى آثار المعركة فسب ولعن وشتم ضباطه الحمقى الذين تصرفوا بغباء وجبن في هذه المعركة ، أما أثاث المنزل المتواضع فقد سرقته السلطة ووضعته في سيارة جيب عسكرية وبالطبع فقد جرى التفتيش داخل المنزل والبحث عن وثائق وأوراق تهم التنظيم .

قتل في هذه المعركة أكثر من 15 عنصرا من مجرمي السلطة وجرح عدد مماثل وقد سمعت الانفجارات وأصوات العيارات النارية في معظم مناطق دمشق ، رحم الله إخواننا الشهداء وأسكنهم فسيح جناته .

الإخوة الشهداء :

1. الأخ الشهيد وسيم المشنوق : مواليد دمشق ـ مهاجرين ـ 1960 .

2. الأخ الشهيد باسل أماصلي : مواليد دمشق ـ عمارة ـ 1962 وهو أحد الإخوة الذين تمكنوا من الانسحاب من قاعدة دوما .

3. الأخ الشهيد زياد الحريري : مواليد دمشق ـ ميدان ـ 1962 .

 استشهاد الأخ بشار السادات

ولم تنقض الأيام الثلاثة المتبقية من شهر رمضان إلا باستشهاد الأخ بشار السادات رحمه الله ففي يوم الخميس بتاريخ 30 / 7 / 1981 كان الأخ بشار على موعد مع أحد الإخوة في منطقة الدقاقين ـ بزورية ـ وحين أتى إلى مكان اللقاء كانت عناصر المخابرات التابعة للفرع 215 قد نصبت له كمينا إثر اعتقال هذا الأخ واعترافه على مكان اللقاء وزمانه ، اقترب الأخ بشار من النقطة المتفق عليها للقاء فأسرع إليه اثنان من المجرمين المموهين باللباس العربي ( عقال ـ جلابية ) للإمساك به واعتقاله حيا إلا أن الأخ الذكي الحذر كان أسرع منهما وبجرأته المعهودة شهر مسدسه الرشاش بيده اليمنى وعاجلهما بعدة طلقات أدت إلى قتلهما على الفور بينما كانت يده اليسرى على مسمار أمان القنبلة اليدوية التي على خصره وحين حاولت أعداد كبيرة من المجرمين الاقتراب منه ما كان منه إلا أن نزع مسماري الأمان لقنبلتين على خصره فانفجرتا على الفور وانشطر الجسد الطاهر إلى قسمين وارتفعت الروح إلى بارئها .

وامتلأت قلوب المجرمين غيظا وحنقا ورعبا فبعد أن منوا أنفسهم باعتقال الأخ بشار هاهم يفقدون اثنين من مجموعة الاقتحام .

لقد شاهد بقية العناصر سرعة الأخ بشار في قتل هذين المجرمين وسرعته في تفجير نفسه فعرفوا مصيرهم المحتوم عند أي محاولة للاعتداء على مجاهدينا الأبطال .

ولد الأخ بشار السادات في دمشق ـ حي المهاجرين ـ عام 1956 نشأ في أسرة عريقة معروفة بتدينها وترعرع في أكنافها فكان على درجة من الأخلاق وطيب الأصل انتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين منذ حداثة سنه وتربى ضمن صفوفها فاكتسب ثقافة إسلامية عالية وخبرة في شؤون التنظيم والحركة ومن ناحية أخرى كان يتلقى العلم على أيدي عدد من علماء دمشق الأفاضل ، سافر إلى مدينة حلب لدراسة الهندسة وهناك ازدادت ثقافته تقلم أمورا كثيرة واكتسب خبرة صقلت شخصيته ، كان قوي الروح ، لطيف المعشر ، محببا إلى من حوله وبذلك كان له تأثير إيجابي فيمن حوله من الناس وقد تميز شهيدنا البطل بكثرة الصيام والقيام وكثرة العبادات فكان ذاكرا لله في كل أحواله وشؤونه إضافة إلى جرأته وشدة بأسه ومتانة أعصابه وقدرته على تلقي المفاجآت مع قوة جسمية ناتجة عن استمراره في ممارسة الألعاب الرياضية وقد ساعدته لياقته البدنية العالية في حركة الجهاد اليومي وكما ألمحت فقد كانت طاقاته الروحية هائلة وظهر ذلك من خلال المصائب والنكبات التي ألمت بالتنظيم خلال فترة ملاحقته وحتى لاقى ربه شهيدا رحمه الله ، إنه مثال للمؤمن المطمئن بالله الراضي بقضائه المحتسب في سبيله لا يتذمر ولا يتخاذل ولا يستسلم أمام الصعوبات بل كان شعلة ملتهبة بالنشاط والحيوية والعمل الدائب المستمر ، انتسب الأخ بشار إلى الطليعة المقاتلة عام 1979 وكان انتسابه على يد البطل الشهيد أحمد زين العابدين ، لوحق من قبل السلطة المجرمة إثر استشهاد شقيقه أيمن السادات في الشهر الخامس من عام 1980 فانتقل إلى إحدى قواعد المجاهدين ومكث فيها قرابة سبعة أشهر متواصلة دون أن يخرج منها ولم يبد عليه أي تذمر أو استياء بل كان يستغل أوقاته إلى أبعد الحدود في المطالعة وحفظ القرآن وممارسة التمرينات الرياضية الشاقة وظل في خدمة إخوانه إلى أن قدر الله له أن يخرج ليمارس حركة الجهاد اليومي وهنا ظهرت كفاءته العالية وإدارته الحسنة وإدراكه السليم وقد شارك في العديد من عمليات الطليعة المقاتلة منها :

ـ عملية النقيب المجرم أديب حيدر ، في هذه العملية كانت جرأته الكبيرة عاملا هاما في إنقاذ الأخ الجريح مازن نحلاوي.

كما نفذ عددا آخر من العمليات وفي مداهمة قاعدة المزة ظهرت متانة أعصابه وقوة إيمانه وثقته بالله عز وجل فاندفع إلى الموت بنفس مطمئنة بعد أن أمضى ليلة في العبادة والذكر والتسبيح لله تعالى فكان من رهبان الليل وفرسان النهار ، وأراد الله تعالى أن ألتقي به في نفس اليوم الذي حصلت به المداهمة وكم كان تأثره شديدا لفقد الإخوة رحمهم الله ، وانطلق في متابعة عمله في ذلك اليوم اللاهب ولم يرض بالإفطار بل أخذ بالعزيمة وواصل صيامه وجهاده تحت أشعة الشمس المحرقة وحين أنهى أعماله كلها اصطحبته معي إلى القاعدة التي كنت أقيم فيها بعد أن بلغ منه الجهد والإنهاك كل مبلغ وهناك التقى بالأخ أكرم موسى وكان اللقاء حارا بين أخوين متحابين بالله ولكن السرور باللقاء لم يكتمل إذ لم ينته شهر رمضان المبارك حتى استشهد الأخ بشار في يوم وقفة عيد الفطر إثر كمين غادر وبمقدار السرور الذي حصل باللقاء كان الحزن والأسى على الفراق .

فإلى جنان الخلد يا بشار .. إنك وإخوانك الأبرار في أرواحنا وقلوبنا وضمائرنا ..

وإن طيفك لا يفارقنا وبسمتك اللطيفة لا تبرح ذاكرتنا … فوداعا مع الخالدين …

إن مشاعرنا وأحاسيسنا لتضطرم بالثأر لدين الله العظيم ولإخواننا الشهداء الذين كانوا مشاعل هذه الدعوة وغراس هذا الدين ولشعبنا المضطهد الذي يعيش حياة القهر والاستعباد .. لقد طفح الكيل وفاضت الكأس وبلغ السيل الزبى .

ولسوف يكون الانتقام رهيبا قاسيا كما كانت المحنة أليمة شديدة وإن فرح الطغاة لن يدوم وسرورهم لن يستمر ولن تشعر نفوسهم بالطمأنينة أبدا فقد جُرد سيف الانتقام من غمده لترفعه أياد كلها إيمان وتصميم لبلوغ الهدف المنشود وستشهد الأحداث المقبلة مئات الرؤوس الكافرة وهي تتهاوى أمام الزحف الإيماني المقدس .

تحليل لواقع هذه المرحلة

إن استشهاد إخواننا في شهر رمضان المبارك ترك في نفوس مجاهدينا حزنا عميقا وسبب آلاما مبرحة وخلف آثارا أليمة في نفوس أبناء شعبنا المسلم الذين تخوفوا من تكرار المأساة التي حصلت بين العيدين عام 1980 وزاد من هذه الآلام تبجح المجرمين الذين قاموا ببث الشائعات التي تقول بأنهم تمكنوا من القضاء على رؤوس المدبرة من التنظيم المسلح وأن الباقين هم شباب غير أكفاء بالإضافة إلى أنهم بسطاء التفكير وقليلو الحيلة كما أظهروا أن إمكانيات التنظيم أصبحت ضعيفة وادعوا ذلك لسببين :

1 ـ لرفع معنويات عناصرهم وتحطيم معنويات الشعب .

2 ـ لأنهم لا يعلمون شيئا عن إمكانيات التنظيم الحقيقية ، لقد توهموا أننا أصبحنا عاجزين عن التنفيذ بسبب الخسائر التي دفعناها من إخواننا وقواعدنا مما ترك في نفوسنا أشد الآلام وأقساها .

إن هذه الآلام لم تكن لتشل تفكيرنا أو تزعزع نفوسنا بل على العكس من ذلك فقد ازداد نشاط مجاهدينا وبدء التفكير الجدي لتنفيذ عمليات من نوع جديد كانت في السابق مجرد تصورات لا أكثر .

حين اشتدت وطأة الأحداث عام 1980 وازداد بطش السلطة المجرمة وتوالت الأخبار تترى وهي تنقل أخبار التصفيات البشعة داخل سجون السلطة ، في هذه الأوضاع اتجه تفكيرنا نحو الانتقام من رؤوس النظام بواسطة العمليات الاستشهادية ولكن ضعف الإمكانيات آنذاك حال دون هذا التفكير وبعد مضي شهر رمضان المبارك من عام 1981 قمنا ببذل جهود جبارة لتأمين الإمكانيات اللازمة وتم ذلك بعون الله تعالى وسط ظروف أمنية صعبة تجلت فيها عناية الله تعالى بمجاهدينا الذين استطاعوا أن يؤمنوا الكميات المطلوبة من الديناميت والأسلحة المختلفة وبقية مستلزمات التنفيذ الضرورية وكان للأخ الشهيد البطل عمر جواد ـ أبو بكر ـ أمير الطليعة في حماة الفضل الكبير في ذلك .

ومضى عشرون يوما على استشهاد الأخ البطل بشار السادات بذل فيها إخواننا جهودا جبارة تواصل العمل فيها بالليل والنهار وتركزت على محورين هما :

1 ـ إعادة بناء الحزام الأمني للتنظيم بشكل متين ووضع في الحسبان الأساليب المختلفة للسلطة بحيث أصبحت قواعدنا تستعصي على أساليب المجرمين ( تمشيط ـ مخبرين ) .

2 ـ القيام بجهود متواصلة لتأمين مستلزمات التنفيذ لهذه العمليات الجبارة وخاصة الديناميت وتم لنا بعون الله الأمر .

وهكذا أصبحت الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين بمدينة دمشق في حالة تسمح لها بتوجيه أعنف الضربات وأقساها لرؤوس البغي والإجرام التي تحكم بالبطش والإرهاب دون تمكينهم من الوصول إلى مجاهدينا وقواعدنا وليس هذا بالأمر السهل .

وبالرغم من إجراءاتنا الأمنية الشديدة فإن إخواننا كانوا بحالة استنفار دائم ليلا ونهارا بقية عام 1981 ولم يركنوا للإجراءات الأمنية التي اتخذناها .

 محاولة قتل المجرم رفعت الأسد

وبدأنا بالإعداد لتنفيذ العملية الأولى وكان الهدف فيها المجرم رفعت أسد حيث تم استطلاعه بشكل دقيق فدرست أوقات تحركاته وطرق سيره وتقرر تفجيره بسيارة ملغومة بواسطة جهاز لاسلكي عن بعد ولكن بعد دراسة المنطقة التي سيتم فيه التنفيذ تبين أن المنطقة مغطاة بأجهزة لاسلكية تتطابق مع أجهزة التفجير المتوفرة لدينا وهذا يعني أن السيارة ستنفجر لدى وصولها إلى المنطقة مباشرة ولهذا ألغيت العملية ، كما ظهر أن معظم مناطق دمشق مغطاة بموجات لاسلكية مختلفة ذات توافق مع أجهزتنا مما جعل هذا النوع من العمليات يحتاج إلى أجهزة تفجير متطورة لا نمتلكها ولهذا استعضنا عن هذه الأجهزة بإخوتنا المجاهدين الأبطال وتم تغيير الهدف لاعتبارت تنفيذية بحتة واخترنا مجلس الوزراء كهدف آخر .

عملية القائد البطل الشهيد عبد الستار الزعيم : 17 / 8 / 1981 ـ مجلس الوزراء

كما ذكرنا فإن ضباط المخابرات والقيادات السياسية العليا كانوا مخمورين بمداهمة قواعدنا الثلاث خلال شهر رمضان ولم يخطر ببالهم أن نتمكن من أي عملية كانت ولكن الله تعالى خيب ظنهم حين تم تنفيذ أكبر عملية تشهدها الساحة السورية حتى هذا التاريخ ألا وهي عملية تفجير مجلس الوزراء التي فاجأت المجرمين سواء من الناحية النفسية أو الأمنية فلم يكونوا متهيئين لمثل هذه العمليات مما جعلهم أضحوكة العالم ومجالا للسخرية والاستهزاء , لقد وضعت الخطة المحكمة لنسف المجلس بمن فيه أثناء جلسة انعقاده وذلك بعد أن استطلع استطلاعا دقيقا .

وفي التاريخ المذكور قام إخوتنا المجاهدون قبل ساعة من تنفيذ العملية بجولة ميدانية حول مبنى رئاسة الوزراء تبين فيها أن الوزراء مجتمعون داخل المبنى والوضع العام كالمعتاد ـ أعداد السيارات والمرافقات المحيطة بالمجلس كما هي في حالة الجلسات السابقة .

وعلى الفور صدر أمر التحرك لنسف المبنى وانطلق أحد مجاهدينا الاستشهاديين وهو يقود سيارة شاحنة من نوع دودج ذات لون أحمر وهي محملة بـ 200 كغ من الديناميت وعشر اسطوانات غاز كبيرة الحجم وكانت الأوامر الصادرة للأخ المجاهد تقضي بالدخول من الباب الخلفي للمبنى فإذا صادف وجود سيارات تغلق المنفذ أو حاول حراس المبنى إيقافه فيجب عليه أن يقتحم المبنى عنوة ويفجر السيارة بنفسه وبالفعل حين وصل الأخ إلى الباب المعين وجد الطريق سالكا فدخل المبنى بسيارته الدودج ولم يعترضه أحد من الحراس فقد ظنوه منهم وحسبوا السيارة تابعة للمجلس وتابع الأخ طريقه بهدوء ووضع السيارة في الكراج الذي يقع أسفل البناء ونظر فلم يجد أحدا يعترضه ووجد أيضا أنه لم يبق سوى دقيقتين على انفجار السيارة فقرر الخروج من الباب بشكل طبيعي ومرة ثانية ظنه الحراس أحد عناصر المرافقة فلم يستوقفوه وما كاد الأخ ليبتعد مائتي متر عن المبنى حتى دوى الانفجار المذهل الذي لم تعرف له دمشق مثيلا من قبل , كان ذلك في الساعة الثانية عشر والنصف ظهرا وسمع معظم الناس في مدينة دمشق صوت الانفجار الهائل كما وصل الصوت إلى أسماع المجرمين من أزلام النظام وإلى طاغيتهم حافظ أسد الذي اتصل برؤساء مخابراته وهو يرتجف رعبا من هول الصدمة وطلب منهم تحديد مكان الانفجار على الفور وكاد أن يصاب بالإغماء حين انقض عليه النبأ كالصاعقة ( انفجار , حريق كبير في مبنى رئاسة الوزراء وجميع الموجودين في المبنى تحاصرهم النيران ) وانطلقت آلاف العناصر المسعورة بإمرة مئات الضباط الذين جاءوا سريعا إلى ساحة العملية فطوقوا المنطقة من كل جهاتها وقطعوا جميع الطرق المؤدية إلى المبنى وراحوا ينظرون إلى المشهد التاريخي المذهل وهم في حالة سكر وغيبوبة ولم تصدق أعينهم بأن المجاهدين قد قاموا بتنفيذ هذه العملية الضخمة وبدا المبنى وكأنه موقد غاز مشتعل وكانت ألسنة اللهب ترتفع فوق البناء لعشرات الأمتار بينما وصل الدخان إلى عنان السماء ولم تترك النيران شيئا في طريقها إلا وأحرقته ومما زاد في اشتعال النيران أن المبنى مكيف بالغاز الذي اشتعل من جراء الانفجار فأتى الحريق على معظم الوثائق وأدى إلى قتل العشرات من مجرمي السلطة وحوصر عدد آخر بالنيران ولم تستطع الحوامات أن تهبط على المبنى لإنقاذهم فقد كانت ألسنة اللهب تتصاعد فوق سطح المبنى والسحب الدخانية الكثيفة تنطلق لتغطي سماء دمشق وحاولت الحوامات الهبوط مرارا ولكن دون جدوى

أما حول المبنى فقد كانت سيارات الإطفاء التي تساعدها سيارات الصهاريج التابعة لشركة جبل قاسيون تحاول جاهدة إطفاء النيران المشتعلة وذهل الوزراء مع رئيسهم القزم عبد الرؤوف الكسم الذين كانوا قد غادروا المبنى قبل نصف ساعة من وقوع الانفجار إلى مبنى مجلس الشعب للمشاركة في جلسته الختامية وسارع عدد كبير منهم إلى مكان الحادث ليشاهدوا تدمير قاعة الاجتماعات ومكاتبهم الخاصة بكاملها .

وبعد ساعتين من العمل المتواصل تمكنت السلطة من السيطرة على البناء المحترق وبدأت سيارات الإسعاف تنطلق مولولة تنقل الجرحى والقتلى الذين غصت بهم المستشفيات وقد بلغ عدد القتلى أكثر من مائة قتيل من مجرمي السلطة وأذنابها بينهم كبار إداريي المبنى وعدد آخر من كبار الضباط العاملين في المبنى كما جرح حوالي مائة آخرون .

وفي نهاية النهار تم انتشال عشرات الجثث المتفحمة التي لم تعرف هوية أصحابها وكما ذكرنا فإن تطويق المبنى قد تم من كل الجهات ونزل إلى ساحة العملية المجرم : ناصيف ـ الصباغ ـ الحلو ـ الخولي ـ حمدون ـ الكسم ـ قدورة ـ الأحمر ـ معين ناصيف ـ ناصر الدين ناصر ـ عز الدين ناصر رئيس نقابات العمال وعدد كبير من ضباط شرطة النجدة والشرطة العسكرية وسرايا الدفاع , وبالرغم من الأعداد الهائلة لزبانية السلطة المنتشرين حول المبنى فإن ذلك لم يمنع آلاف المواطنين من التجمهر خلف الحزام الأمني لمشاهدة هذا المشهد الرائع الذي طال انتظارهم لرؤيته .

وحاولت السلطة أن تغطي هذه العملية الضخمة بأساليبها العتيقة فها هي تعلن في إعلامها الكذاب بيانا وضعه أساطين الدجل لديها : ( إن الانفجار الضخم والحريق الهائل اللذين حصلا في مبنى رئاسة الوزراء ما هما إلا ماس كهربائي بسيط أدى إلى اشتعال حريق أسفر عن مقتل ثلاثة من القائمين على خدمة المبنى ) وصار البيان سخرية جديدة لأبناء الشعب الذي شاهد الحريق وعاين أزلام السلطة وهم ينتشرون في شوارع دمشق مطلقين النار على كل سيارة يشتبهون بها مما أسفر عن مقتل العديد من المواطنين الأبرياء وغلب الظن عند الخبراء وعند المسؤولين السياسيين أن المجاهدين قد تمكنوا من زرع عبوات ناسفة في كل غرفة من غرف المجلس والأمر الذي دعاهم إلى هذا الاعتقاد توالي أصوات الانفجارات من غرف المجلس بفعل أنابيب الغاز داخلها وقد عبر عن هذا الرأي وليد حمدون .

وفي المساء قام المجرم حافظ أسد باستقبال الوزراء وجهز لهم عشاء خاصا بمناسبة نجاتهم من الانفجار الذي طال بناءهم لكن الفرحة بنجاة هؤلاء الصعاليك لم تكتمل فقد حملت الأيام المقبلة خطرا كبيرا أزلام السلطة ورؤوسها إذ أن عمليات المجاهدين قد دخلت مرحلة جديدة كما أعلن عن ذلك المجرم وزير الداخلية حين قال : ( لقد فاقت هذه العملية تصورات العقل الأمني في سورية ) .

وتوالت اجتماعات أكابر مجرميها وهم في حالة هيجان هستيرية وأصبح مجلس الأمن القومي في حالة انعقاد دائم لبحث الوضع الجديد الذي تعيشه السلطة ولإيجاد الوسائل المكافئة لمجابهة هذا الوضع واتخذت عدة إجراءات هستيرية هدفها القضاء على المجاهدين في دمشق قضاءا تاما خوفا من تكرار هذه العملية فاستنفرت أجهزة المخابرات عناصرها وانطلق مجرمو السلطة لاعتقال أهالي الإخوة الملاحقين ومعارفهم حيث تعرضوا للتعذيب الوحشي البشع بالرغم من عدم معرفتهم لأي شيء عن الإخوة الملاحقين كما بدأت السلطة بحملة تمشيط لأماكن سكن الإخوة المطلوبين وحاراتهم وكان التركيز جليا على الإخوة القياديين في هذه الحملة المسعورة وفي اليوم التالي للعملية قامت السلطة بحملة غريبة من نوعها استهدفت أصحاب محلات تصليح وتدهين السيارات فاعتقلت أصحابها والعاملين فيها بطريقة وحشية تنم عن حقد دفين على أبناء الشعب وقامت بالتحقيق معهم بطريقة وقحة مدعية بأن السيارة التي نسفت مجلس الوزراء كانت مطلية بطبقة ثانية من الدهان مما استوجب معاقبة كافة محلات دهان السيارات .

وكما أسلفنا فإن السلطة قد زادت من أعداد عناصرها ومجرميها في شوارع دمشق على شكل دوريات راجلة أو محمولة ونصبت الحواجز الثابتة عند مداخل العاصمة وفي الطرق التي تتوقع استخدامها من قبل الإخوة المجاهدين لعلها تظفر بأحد الإخوة المجاهدين وعملت على نصب الحواجز الطيارة داخل المدينة وتفتيش السيارات المارة بشكل هستيري أحمق واتخذت إجراءات أمنية مشددة حول المباني الأساسية التابعة لها وأعطيت الأوامر بإطلاق النار على كل إنسان يشتبه به وأدى ذلك إلى عشرات الحوادث اليومية التي قتل فيها العديد من المواطنين الأبرياء كما قتل أيضا الكثيرين من عناصر السلطة بطريق الخطأ نتيجة الذعر الذي حل في قلوبهم وقد وقعت أغلب هذه الحوادث أمام منزل المجرم رفعت أسد على أوتوستراد المزة شملت معظم أحياء دمشق واستمرت فترة شهر كامل ففي كل ليلة تقوم آلاف العناصر بتطويق أحد الأحياء السكنية وتمشيطه بيتا بيتا وتعيث داخل البيوت فسادا فتسرق وتنهب كل ما خف وزنه وغلا ثمنه طامعة بكشف قاعدة للمجاهدين ولكن دون فائدة فالمجاهدون قد اتخذوا الإجراءات الأمنية الخاصة التي يستعصي التمشيط أمامها بإذن الله .

وهكذا خيم على المدينة جو من الإرهاب لم يسبق له مثيل وأصبحت دمشق ثكنة عسكرية ينتشر المسلحون فيها بكل مكان لإعاقة حركة المجاهدين الذين برهنوا على قدرتهم الحركية في كل الأوضاع والظروف مهما بلغت صعوبتها .

أما المجلس المتصدع فلن تستطع السلطة أن ترممه إلا بعد مضي ثلاثة أشهر كان الوزراء خلالها يجتمعون في اماكن سرية من ضمنها مسجد العثمان ـ الكويتي ـ الذي استخدم للاجتماع مرارا وسط إجراءات أمنية لم يسبق لها مثيل من قبل , كذلك قام المجرم القذافي في هذه الفترة بزيارة صديقه المجرم أسد الذي اصطحبه إلى مجلس الوزراء الساعة الواحدة ليلا لمشاهدة آثار العملية الربانية ، ولم يغب عن بال المجرم العميل أسد الاستغاثة بالخبراء الشرقيين والغربيين لوضع الخطط الأمنية التي تحول دون تكرار هذه العملية التي مرغت أنفه في التراب بعد عمله الطويل في وضع الحواجز والسدود أمام أخبار مجاهدينا في سورية .

إن أخبار هذه العملية قد عمت أرجاء العالم وتناقلتها وكالات الأنباء بالتعليق والتحليل حول النظام الطائفي ومجاهدينا الأبطال مما زاد في غيظ المجرم أسد وحقده فبدأ بحملة قمعية دنيئة ضد أبناء شعبنا خاصة في حماة وحلب وقرى شمال سورية ، من جهتنا قمنا بإبلاغ الإخوة في حماة بوجوب أخذ الاحتياطات الأمنية الشديدة تحسبا لانتقام السلطة هنالك بعد ظهور عجزها التام في مدينة دمشق .

لقد ألقت السلطة في دمشق بكل أوراقها دفعة واحدة وكما بينا سابقا فقد انتشرت الحواجز الثابتة والطيارة ولم تنقطع عمليات التمشيط والاعتقال وازداد التعذيب الوحشي داخل السجون إضافة إلى سيل التهديدات المحمومة التي تصدر عن أركان النظام ورؤوسه ضد مجاهدينا وخاصة الإخوة القياديين منهم ، استمرت هذه الفترة مدة سبعة عشر يوما كان الاستنفار فيها 100 % لدى السلطة وعند مجاهدينا .

هذه المحاولات الهزيلة لبث الذعر والرعب في نفوس مجاهدينا لم تكن لتغير من الحقيقة التي يعلمها النظام المجرم ورؤوسه شيئا ألا وهي حبنا للموت بقدر ما يستمسكون بالحياة ونحن نبحث عن الموت الذي يتهددوننا به في مظانهم وإن طعمه في نفوسنا ألذ واشهى من طعم العسل وقد ظهر ذلك واضحا حين حاولنا انتقاء فدائي آخر لتنفيذ العملية الثانية فكان اندفاع الإخوة جميعا لتنفيذ العمليات الاستشهادية أكبر برهان على ذلك وقد طلب الإخوة في بقية المحافظات منا إتاحة المجال لهم للمشاركة في هذه العملية الاستشهادية .

لقد حاولت السلطة بكل ما أوتيت من قوة عدم تمكيننا من تكرار هذه العملية ولكن هيهات .. هيهات فرياح الانتقام قد عصفت بأركان النظام تدمر الفساد وتحرق الطغيان وتجعل المجرمين السفاحين عبرة لمن يعتبر ، لقد ظنوا أن حصونهم وحراساتهم وما اتخذوه من أسباب سوف تمنعهم من انتقام الله جلت قدرته ، لقد سلط الله تعالى عليهم هذا الأسلوب الذي يتناسب مع حجم الجرائم التي ارتكبوها بحق شعبنا المؤمن وكانت العملية التالية :

 عملية الأخ القائد يوسف أحمد عبيد 3 / 9 / 1981 ـ آمرية الطيران ـ

قررت قيادة الطليعة المقاتلة في دمشق توجيه ضربة قاصمة جديدة إلى نظام المجرم حافظ أسد ووقع الاختيار هذه المرة على مبنى آمرية الطيران المؤلف من سبع طوابق والكائن بالقرب من مبنى الأركان وهذا المبنى يضم هدفين :

ـ الهدف الأول :

فرع المخابرات الجوية الذي يرأسه المجرم النصيري العميد محمد الخولي وهذا الفرع معروف بجرائمه الرهيبة وبتعذيبه الوحشي وهو سيف مسلط على رقاب العسكريين في القوى الجوية أما معظم ضباطه فهم من النصيريين الذين أشرف المجرم أسد على تعيينهم بشكل خاص نظرا للأهمية التي يتمتع بها هذا الفرع في متابعة ضباط الطيران واعتقال كل من يشكون في ولائه لنظام المجرم أسد وقد كشف هذا الفرع عددا من المحاولات الانقلابية ضد نظام المجرم أسد وساهم مساهمة كبيرة في ملاحقة الشباب الإسلامي واعتقال أعداد كبيرة منهم وكان الأخ يوسف عبيد معتقلا في هذا الفرع وقد أشرف المجرمان محمد الخولي والمقدم عماد الدين ديب على تعذيبه تعذيبا شديدا بشكل مباشر وشارك هذا الفرع في نصب الحواجز والكمائن وعمليات تمشيط في مدينة دمشق ويحتل هذا الفرع القبو والطابق الأول من البناء وقد كان فيه عدد من المعتقلين أثناء تنفيذ العملية يعتقد أن الأخ يوسف عبيد بينهم .

ـ الهدف الثاني :

الأمرية الجوية وتشغل بقية الطوابق وفيها عدد كبير من الضباط النصيريين الذين أشرف المجرم أسد على تعيينهم بنفسه أيضا لتكون له السيطرة الكاملة على القوى الجوية في سورية ، ويضم البناء بكامله أكثر من ألف من العناصر والضباط وصف الضباط إضافة إلى الأعداد الكبيرة من العناصر التي تقوم بحراسة المبنى وفوهات بنادقها موجهة إلى السيارات المارة في الشارع المقابل كما توجد عدة سيارات مليئة بالعناصر وقفت إلى جانب المبنى تحسبا للطوارئ وفوق كل ذلك فالمنطقة محروسة بسبب تواجد الحراسات على بيوت المسؤولين المقيمين فيها .

وفي الساعة الحادية عشر والربع صباحا انطلقت سيارة من نوع بيجو 304 تحمل عبوة ناسفة تزن 400 كغ من الديناميت شديد الانفجار يقودها أحد مجاهدينا الإستشهاديين البالغ من العمر عشرين عاما وعند وصوله إلى مدخل البناء صعد فوق الرصيف ثم اقتحم الباب إلى الساحة وصعد عدة درجات من درجات المبنى بسيارته المثقلة بالديناميت ، كان حراس المبنى ينظرون إليه مشدوهين من فعلته هذه فقد حسبوه أحد أبناء الضباط السكارى لذلك لم يطلقوا عليه النار ولكن دهشتهم زادت حين ترجل من السيارة وبدأ بإطلاق النار من مسدسه باتجاههم كما ألقى قنبلتين يدويتين مما تسبب في قتل وجرح عدد من عناصر الحراسة وبسرعة انهالت عليه مئات الطلقات التي اخترقت جسده الطاهر وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها ، وسمع الناس في المنطقة أزيز الرصاص ودوي القنبلتين اليدويتين فتوجهت على الفور الدوريات الأمنية المتواجدة هناك إلى المبنى لاستيضاح الخبر ووقف معظم العاملين في المبنى أمام الشرفات والنوافذ المطلة على ساحة الاشتباك كما هرع عدد من كبار الضباط إلى أسفل البناء بعد تأكدهم من استشهاد الأخ البطل وعلى رأسهم المجرم اللواء ممدوح أباظة وهو شاهر مسدسه لتمثيل دور البطل الذي يقتحم الأهوال ، وبعد أن اكتمل جمعهم حول جثة الأخ الشهيد أي بعد ثلاث دقائق من توقف إطلاق النار انفجرت السيارة الملغومة انفجارا رهيبا أحدث كتلة من اللهب غطت البناء بكامله وتطايرت جثث المجرمين في الهواء ومزقت أجسادهم أشلاء متناثرة هنا وهناك ودمر فرع المخابرات الجوية تدميرا شبه تام كما حدث تدمير كبير في طوابق الآمرية وسقط المئات من صف الضباط والعناصر والضباط قتلى خلال ثانية واحدة أما أجساد المجرمين المتحلقين حول السيارة فقد مزقت شر ممزق وصارت قطعا متناثرة في كل الأنحاء ومن هؤلاء الممزقين المجرم أباظة صديق المجرم رفعت أسد وهو مشهور بحقده على المسلمين وتعذيبه لهم ـ العماد ممدوح حمدي أباظة رفع إلى عماد بعد قتله ـ .

لقد كان الانفجار شديدا إذ سمعه معظم سكان مدينة دمشق كما سمعه المجرم حافظ أسد وأركان نظامه مباشرة وحاول المجرم أسد الاتصال بالآمرية للاستفسار عن الخبر ولكن ما من مجيب ، إن البناء بأكمله قد تحول إلى مقبرة جماعية لمجرمي السلطة التي قامت على الفور بتطويق المنطقة بعدة آلاف من سرايا الدفاع الذين أقاموا طوقا أمنيا محكما حول المنطقة ولم يسمحوا لأي كان بالاقتراب من البناء حتى ضباط الأمن وضباط شرطة النجدة والشرطة العسكرية للتكتم عما حصل وجاء عدد كبير من رؤوس النظام إلى مكان الحادث وذهلوا حين استقبلتهم ثلاثون جثة كانت تقوم بحراسة المبنى قبل الانفجار وتسبب الانفجار في إحداث حريق سيطر عليه الإطفائيون بسرعة أما سيارات الإسعاف فقد استمرت بنقل الجرحى إلى المستشفيات بينما تركت جثث القتلى داخل البناء لمدة ثلاث ساعات دون أن يحركها أحد .

كانت سيارات الإسعاف تتجه من المستشفيات وإليها فنقل 75 جريحا إلى مستشفى المواساة مات منهم عشرون على الفور ، وإلى مستشفى التوفيق القريبة من بناء الآمرية 40 جريحا ماتوا جميعاعند وصولهم إلى المستشفى ، وإلى مستشفى المزة العسكري 79 جريحا مات الكثيرون منهم على الطريق وبعد الوصول إلى المستشفى كما مات ثلاثون شخصا من الذين نقلوا إلى المستشفى الطلياني ومات غيرهم من الجرحى في بقية المشافي بمدينة دمشق .

هذه العملية الربانية كانت انتقاما من الله سبحانه وتعالى لمسلمي سورية وشهدائها الأبرار ، لقد فاقت نتائجها كل التصورات إذ أسفرت كما نعتقد عن أربعمائة قتيل وأكثرمن مائتي جريح على أقل تقدير ـ وآخر الأخبار أكدت أن عدد القتلى والجرحى يتجاوز 1100 بين ضابط وصف ضابط ومستخدم مدني ـ أما السلطة الكافرة فحاولت التستر حول خسائرها في هذه العملية ومع أن التكتم كان شديدا إلا أن الأنباء تسربت إلى أبناء الشعب الذين تناقلوا أخبار مئات القتلى والجرحى ، ومن ضمن الأنباء المتناقلة قول أحد الضباط الذين دخلوا إلى المبنى بعد حوالي ساعتين ونصف من الانفجار إذ صرح أنه أحصى حوالي 150 جثة ملقاة داخل البناء ونذكر هنا أن أكثر من 60 ضابطا معظمهم من ذوي الرتب العالية قد قتلوا وأغلب هؤلاء الضباط من النصيريين أو المرتزقة المأجورين الحاقدين على المسلمين نذكر منهم :

• اللواء ممدوح أباظة وهو شركسي الأصل يسكن في منطقة أبي رمانة ويوجد بجانب بيته كوخ فيه أكثر من عشرة عناصر لحراسة منزله وهو من المقربين إلى المجرم رفعت أسد ويعرف عنه عداءه الشديد للمسلمين وحقده على كل ما يمت للإسلام بصلة في هذا البلد المسلم .

• اللواء إبراهيم الحسن وهو شقيق اللواء المجرم جميل الحسن رئيس شعبة التنظيم والإدارة .

• كما قتل ضباط برتبة لواء من آل بهلول .

• وقتل أيضا المقدم عماد الدين ديب نائب المجرم محمد الخولي في فرع المخابرات الجوية .

• وقتل المدعي العام إسماعيل حبيب وهو نصيري حاقد على الإسلام وأهله معروف بإطلاق أحكام الإعدام على كل الذين اشترك في محاكماتهم الصورية

أما المجرم الخولي فلم يكن في مكتبه الذي دمر تدميرا كاملا ساعة الانفجار وقد لوحظ بشكل ملموس أن جثث القتلى ونعوشهم قد نقلت إلى قرى النصيريين الساحلية ولم يخرج في دمشق إلا العدد القليل من الجنائز .

هذه العملية أصابت المجرم أسد بصدمة نفسية هائلة إذ لم يكن يخطر على باله في يوم من الأيام أن يتمكن المجاهدون من توجيه أمثال هذه الضربة إلى الأبنية الأساسية التابعة لنظام الكفر والطغيان ، كان اليوم الذي حدثت فيه هذه العملية يوما مشهودا في تاريخ سورية وتاريخ شعبها وكانت نقطة حاسمة أثبتت للنظام أن حمامات الدماء لن تولد إلا الدماء وأن الإرهاب المسلط على رقاب شعبنا المسلم لسوف ينقلب على رؤوس النظام ومرتزقته المأجورين

وكما عهدنا من قبل فإن أعدادا كبيرة من عناصر السلطة المدججين بالسلاح والعتاد نزلوا إلى شوارع دمشق وبدأوا بإطلاق النار على كل سيارة يشتبه بأمرها لذلك لم يعد أحد من الناس يجرؤ على الاقتراب من مباني السلطة خوفا من إطلاق النار العشوائي .

أما إعلام النظام الذي أعلن يوم تفجير مبنى رئاسة الوزراء أن الانفجار والحريق قد حدثا بسبب تماس كهربائي فإنه في هذه المرة لم يشر إلى هذه العملية بأي كلام ولم يصدر عنه أي تعليق ولكن الذي حصل هو أن السلطة سربت أنباء العملية إلى بعض وكالات الأنباء التي تتعامل معها وإلى بعض الإذاعات الصليبية ـ مونت كارلو ـ هذه الأنباء المسربة ادعت أن 17 شخصا من المارة قد قتلوا والتناقض في هذا النبأ واضح تماما إذ أنه لا يجرؤ أي مواطن على السير بالقرب من مبنى الأمرية ، إن هذه العملية الجبارة زادت من هيجان السلطة فأخذ رؤوسها ومجرموها يتصرفون برعونة حمقاء فاستمرت عمليات التمشيط الواسعة وبدأت حملة اعتقالات واسعة شملت أعدادا كبيرة من أقارب الإخوة المطلوبين وأعدادا أخرى من الشباب الإسلامي اعتقادا منها بأن ذلك سوف يفتح ثغرة في تنظيم المجاهدين تمكنها من إعاقة هذه العمليات التي فاقت تصورات العقل الأمني في سورية كما صرح بذلك أحد مجرمي السلطة .

أما الطاغوت الجبان حافظ أسد فقد سافر إلى اللاذقية لأسباب عدة وهي :

ـ أولا : السبب الأمني فالمجرم حافظ أسد هو شخص جبان إذ حين رأى أن عمليات المجاهدين يمكن أن تطاله هو بالذات سافر إلى اللاذقية فرارا من الموت .

ـ ثانيا : للترويح عن نفسه بعد أن هاجت أعصابه فلم يعد يحتمل سماع المزيد من الانفجارات التي تبشره بمقتل المئات من أزلامه المجرمين .

ـ ثالثا : ليقدم العزاء لطائفته ممن هلك من أبنائها المجرمين صرعى في هذا الانفجار المدمر .

ـ رابعا : لإجراء المشاورات واتخاذ القرارات في جو هادئ نسبيا .

في هذا الوقت كان مكتب الأمن القومي يتابع اجتماعاته التي استمرت مدة عشرين يوما تمخضت عن عدة إجراءات أمنية لحماية النظام ومؤسساته المتسلطة وأشخاصه المجرمين كان أهم هذه الإجراءات وضع الحواجز الإسمنتية وعوائق الدبابات وبناء الجدران العالية حول الأبنية الحكومية ومنع السيارات من المرور أمام هذه الأبنية وتكثيف الحراسات حولها بل وقطع الشوارع التي تقع أمام بعضها قطعا نهائيا وانتشرت الأحواض الزراعية الإسمنتية حول بيوت المسؤولين وتوزعت أعداد كبيرة من عناصر المخابرات في شوارع المدينة كما وضعت الحواجز الثابتة عند مداخل المدينة وانتشرت الحواجز الطيارة داخلها وبذلك أصبحت المدينة ثكنة عسكرية وأضحى منظرها غريبا بهذه الإجراءات التي لم تشهدها هذه المدينة في تاريخها الحديث ، لقد أعطيت الأوامر الصريحة إلى عناصر المخابرات بإطلاق النار على كل سيارة مشبوهة فتعددت بذلك حوادث إطلاق الرصاص على السيارات بشكل يومي وبات واضحا أن السلطة قد فقدت صوابها وهي تحاول منع حدوث العملية الثالثة ووقفت عاجزة أمام تنظيم سري تعرف العديد من أفراده الملاحقين منذ زمن طويل دون أن تتمكن من القضاء عليهم رغم استخدامها للعديد من الوسائل الإجرامية من أجل تحقيق هذا الهدف ، لقد انتقمت من أهالي المجاهدين أبشع انتقام ولكن لم يؤثر ذلك على الإخوة المجاهدين الذين وهبوا نفوسهم رخيصة في سبيل الله عز وجل راغبين في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، وبطشت بأبناء دمشق فلم تجن من ذلك إلا تعاطفا من الشعب مع مجاهديه المؤمنين ولم تفد السلطة من هذه الاعتقالات بأي شيء فتوجهت بانتقامها نحو مدن الشمال السوري .

وكنا قد أخبرنا الإخوة في حماة الذين عرفوا فشل السلطة الذريع في دمشق عن اعتقادنا بأن السلطة سوف تتوجه بانتقامها الإجرامي على أهالي مدينة حماة لذلك طلبنا منهم اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على الإخوة هناك فأكدوا لنا هذا الرأي الذي يتوقعونه أيضا لذلك فقد أخذوا حذرهم لمنع أي خطأ يؤدي إلى حوادث تستغلها السلطة لضرب أبناء المدينة .

إن هذه العملية الجبارة التي سكت النظام عنها ونقلها الإعلامي العالمي مشوهة ممسوخة لم تكن أنباؤها الحقيقية لتخفى على أبناء شعبنا الذي عمت الفرحة الغامرة كل أبنائه فقد كانت هذه العملية بمثابة انتقام مكافئ لما ارتكبته السلطة في مجزرة تدمر .

ورغم النقل الإعلامي السيء لما حصل في هذه العملية فإن تحليلات الصحف وتعليقات الأخبار لم تستطع إلا أن تعبر عن قوة المجاهدين وشدة بأسهم ووجهت الانتباه إلى هذا النوع من العمليات الذي بدأ يستقطب اهتمام العالم هذا الأسلوب ذاته استخدم في لبنان من قبل المنظمات الإسلامية فيما بعد ودمرت بواسطته أهداف هامة : السفارة الأمريكية ، مقر الحاكم العسكري في صور ، مقر قيادة البحرية الأمريكية ـ المارينز.

عن عبد الله

شاهد أيضاً

على ثرى دمشق_التاريخ المنسي

الحملة الإعلامية المسعورة تناقلت وكالات الأنباء العالمية والإذاعات أخبار العملية على الفور دون تحديد نوعية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *