ساورت_الثورة _حانن_للحرية
مرور عام كامل على خسارة الثورة لساروتها وحارسها ..
من هو الساروت ؟
عبد الباسط ممدوح الساروت (1 يناير/كانون الثاني 1992 – 8 حزيران/يونيو 2019) هوَ الحارس السابق لنادي الكرامَة ومنتخب سوريا للشباب، كما يُعتبر أحد أبرز قادة المظاهرات التي قامت في مدينة حمص للمطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد أثناء الثورة السورية. أُصيب في الاشتباكات معَ القوات النظاميّة في شمال غرب سُوريا واستشهد بعدها بيومين في 8 حزيران/يونيو 2019.
ولد عبد الباسط الساروت، في مدينة حمص عام 1992، وكان ولعه برياضة كرة القدم، يتفوق على ولعه بأي شيء آخر حوله، فبرز في هذا المجال، ولعب في أندية محافظته، ليصبح أحد أشهر حراس كرة القدم في سوريا، عندما نال جائزة أفضل ثاني حارس كرة قدم، في القارة الآسيوية.
وأصبح الساروت، حارس مرمى شباب المنتخب السوري لكرة القدم، إلا أن اندلاع الثورة السورية، عام 2011، فرض عليه، كما قال هو في عشرات التصريحات المتلفزة والمكتوبة، الاستجابة لطموحات أبناء مدينته، بالحرية والعدالة، مثله كمثل مئات الآلاف من السوريين الذين انخرطوا في ثورة سلمية على النظام السوري، قوبلت بالنار والحديد والتنكيل ودموية لم يشهد لها التاريخ العسكري مثيلا، كما تقر بذلك الأمم المتحدة، حتى بلغ عدد الضحايا مئات الآلاف من القتلى، وملايين المهجرين والنازحين في مختلف بقاع الدنيا.
مكافأة لاعتقاله أو قتله
برز الساروت مع الساعات الأولى للثورة على نظام الأسد، ونظرا لما يتمتع به من صوت شجيّ عفوي، فإنه كان يعبّر عن نضاله وكفاحه الثوري، من خلال إنشاد المقاطع الغنائية السياسية الثائرة، والتي وإن أطربت جمهور الثورة، إلا أنها كانت تنزل كالحمم على النظام السوري، بقول متابعين، فقام باستهدافه مرات، وفشل، ثم أعلن عن مكافأة لاعتقاله أو قتله. لقد كان الساروت، بشعبيته التي يحظى بها، في أوساط مجتمع مدينته، حمص، يشكل خطرا معنويا كبيرا على النظام السوري الذي سعى بمختلف الأشكال، لتشويه صورة وسمعة معارضيه، ومنهم الساروت الذي روّج عليه، زورا، أنه “بايع” تنظيم داعش، وذلك للنيل من صورته المشرقة لدى طيف واسع من السوريين الذين نعوه على مختلف انتماءاتهم السياسية والدينية والطائفية والقومية، ما خلا نظام الأسد، بطبيعة الحال.
عرف الجمهور السوري، الساروت، من خلال قيادته التظاهرات المناهضة لنظام الأسد، في حمص، والفيديوهات التي يظهر فيها منشداً، تملأ موقع “اليوتيوب” الذي لا يزال يحتفظ للراحل، بمجموعة مميزة، يظهر فيها، منشدا ومطلقا للشعارات من مثل: “حرّية للأبد، غصباً عنك يا أسد”.
الساروت يخسر أغلب أفراد عائلته
صار الساروت، رمزاً نضالياً لمدينته حمص، قبل أن يضطره عنف النظام، لحمل السلاح، فقد خسر الساروت أغلب أفراد عائلته على يد جيش النظام السوري الذي اقترب من “إفناء” عائلة الساروت كما تقول مصادر سورية معارضة. فقد قتل النظام السوري، عدة أخوال له، ثم قتل أربعة من إخوته، هم وليد عام 2011، ومحمد عام 2013، ثم أحمد، وعبد الله، عام 2014، بحسب مصادر المعارضة السورية.
إذ ذاك، اضطر الساروت للدفاع عن بقية أفراد عائلته وأبناء مدينته حمص ومجمل أنصار المعارضة السورية، فشكل عام 2015 فصيلا عسكريا بسيطاً معنيا بالدفاع عن الأهالي يدعى (كتيبة شهداء البياضة) من محاولات عناصر جيش النظام الدائمة، بتصفية معارضيه قتلا واغتيالا، حيث سعى إلى اغتيال الساروت نفسه، أكثر من مرة، كما تؤكد جميع المصادر المتطابقة.
وبلغ الساروت حالة واسعة من الاشتهار الإنساني، في أوساط المعارضة السورية وغيرها، عندما سعى إلى تأمين مغادرة زميلته المعارضة الفنانة فدوى سليمان، خارج سوريا، لتلقي العلاج، فيما هو أصر على البقاء رمزا للثورة وأحد أبرز ناشطيها، ثم ليقضي وهو يقوم بما يؤمن به.
في هذه الأثناء، كان النظام السوري يضيق على أهالي حمص، أشد التضييق والحصار وبأعمال القصف والقتل، فغادر الساروت عام 2016، إلى تركيا، ليعود بعد فترة إلى شمال سوريا، في إدلب، ذلك المكان الذي سبق وهجّر نظام الأسد، جزءا كبيرا من معارضي حمص إليه، ومعارضي بقية معاقل الثورة، فعاد الساروت لقيادة التظاهرات في الشمال، وظهر في فيديوهات عديدة، منشدا ومطلقا الشعارات، كلما توقّف طيران النظام ومدفعيته، عن القصف.
كانت إقامة الساروت في شمال سوريا، محفوفة بمخاطر مختلفة، فقد سعت تنظيمات متشددة إلى تصفيته، مثلما صفّت عددا آخر من الإعلاميين والمعارضين السلميين، وكانت آخر محاولة اغتيال للساروت، مطلع هذا العام، في إدلب، عندما رصد الراحل محاولة زرع عبوة ناسفة في سيارته، فقام بمقاومة المجموعة التي اضطرت للانسحاب بعد حصول الاشتباك.
العودة إلى حمص
عنف النظام السوري وخياره العسكري لإجهاض الثورة المطالبة بإسقاطه، والذي تسبب بولادة مرحلة رفع السلاح في وجهه، لحماية الأهالي، كان الساروت، الصورة الأبرز لهذا التحول، من إطلاق الشعارات إلى إطلاق النار، فبعد تأسيسه كتيبة شهداء “البياضة” والأخيرة إحدى مناطق حمص التي ارتكب فيها النظام واحدة من مجازره الدموية، انضم الساروت إلى فصائل الجيش السوري الحر، في ما يعرف بجيش العزة، عام 2018.
تحول الساروت من إطلاق الشعار، إلى إطلاق النار، حماية للمدنيين وبيوتهم، لفت أنظار أهل الفن إليه، فقد تحوّل الرجل إلى “تيمة” الثورة السورية، وهو صورة متحركة عن ضحاياها، بعدما فقد أغلب أفراد أسرته قتلا على يد جيش النظام، ووفاة صديقة ثورته الفنانة فدوى سليمان وتهجير معارضي الأسد من حمص وغيرها، إلى الشمال وغيره، فأصبح نجم فيلم “العودة إلى حمص” للمخرج السوري طلال ديركي، عام 2014، حيث ظهر الساروت في الفيلم الذي حاز عدة جوائز عالمية، مظهراً كيف أدى عنف النظام ومجازره، للاتجاه إلى حماية الأهالي، عبر حمل السلاح.
وجاء الجزء الأخير، من رحلة الساروت، مع بدايات عام 2019، وسعي تنظيمات متشددة، وسعي النظام السوري للتخلص منه ومن شعبيته واحترام الناس له، عندما نجا من محاولة اغتيال، ثم اشتبك مع قوات نظام الأسد التي عاودت الهجوم، عبر قصف عنيف بمساندة من الطيران الروسي والميليشيات الإيرانية، لمناطق ريفي إدلب وحماة، الأخيرة التي أقر نظام الأسد، أن الساروت قضى فيها مهاجِماً وعن قرب، لينهي منشد الثورة، وحارسها، كما يسمى كونه حارس كرة قدم، حياته وهو يعبّر عمّا يؤمن به ويعتقده، منذ إطلاق أول شعار، إلى حمل البندقية وإطلاق النار على قاتلي أفراد أسرته وبقية أفراد شعبه.